للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدلة أصحاب القول الثاني:

الدليل الأول: عن عبد الله بن عمر (١) رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا كان الماء قلتين لم ينجس) وفي رواية: (لم يحمل الخبث) (٢).

وجه الدلالة:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الماء إذا بلغ قلتين، لا ينجس، ولا يحمل الخبث، وهذا عام فلم يفرق بين الماء الراكد، والجاري، ويفهم منه أن ما كان أقل من قلتين فإنه يحمل الخبث ولو لم يتغير، جارياً كان أو راكداً (٣).

ونوقش:

أن دلالة المفهوم ضعيفة تسقط بأدنى قرينة، بخلاف اللفظ العام (٤)، كما أن سبب الحديث هو السؤال عن الماء الراكد (٥).

الدليل الثاني: قياس الماء الجاري على الدائم، فكما أن قليل الدائم ينجس بمجرد الملاقاة فكذلك قليل الجاري (٦).

نوقش:

أن هذا استدلال في محل النقاش، بالإضافة إلى أن هذا القياس قياس مع الفارق حيث إن الراكد على فرض نجاسته بهذا- فإنه إنما ينجس- والله أعلم- لضعفه عن استهلاك النجاسة، بخلاف الجاري فهو لقوة جريانه يحيلها ويدفعها إذا ورد عليها فكان كالكثير (٧).

الترجيح:

مما سبق من الأدلة والمناقشة، يبدو والله أعلم أن القول الأول القائل بأن الماء الجاري لا ينجس إلا بالتغير، هو الراجح لقوة ما استدلوا به، ولمناقشة القول الآخر، ولأنه يترتب على القول باعتبار كل جرية مستقلة بنفسها تنجس نهر كبير بنجاسة قليلة وهذا ظاهر الفساد (٨).


(١) هو الصحابي الجليل أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أحد المكثرين عن رسول - صلى الله عليه وسلم -،نشأ في الإسلام، وهاجر مع أبيه إلى الله ورسوله، شهد الخندق وما بعدها، ولم يشهد بدرا ولا أحدًا لصغره، أفتى الناس ستين سنة، ولما قتل عثمان عرض عليه ناس أن يبايعوه بالخلافة فأبى، وكف بصره في آخر حياته، كان آخر من توفي بمكة من الصحابة سنة ٧٣ هـ. انظر ترجمته: أسد الغابة (٣/ ٢٣٦)،سير أعلام النبلاء (٣/ ٢٠٤).
(٢) أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب ماينجس الماء ح/٦٣ (١/ ١٧)، والترمذي، كتاب الطهارة، باب ماجاء أن الماء لاينجسه شيء، ح/٦٧ (١/ ٩٧)،والنسائي، كتاب الطهارة، باب التوقيت في الماء، ح/٥٢ (١/ ٤٦)، ابن ماجه، كتاب الطهارة، باب مقدار الماء الذي لاينجس، ح/٥١٨ (١/ ١٧٢)، وصححه أحمد، والنووي، وابن حجر، انظر: المحرر (١/ ٨٣)،وتلخيص الحبير (١/ ١٧)، والمجموع (١/ ١٥٦)، والإرواء (١/ ٦٠).
(٣) انظر: شرح العمدة (١/ ٦٧،٦٦).
(٤) انظر: البحر المحيط (٣/ ١٠٤)، واللفظ العام هنا هو عموم حديث (إن الماء طهور لا ينجسه شيء).
(٥) انظر: شرح العمدة لابن تيمية (١/ ٦٧).
(٦) انظر: شرح العمدة لابن تيمية (١/ ٦٦).
(٧) انظر: شرح العمدة لابن تيمية (١/ ٦٧).
(٨) انظر: الشرح الكبير على متن المقنع (١/ ٤٣).

<<  <   >  >>