للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الرابع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا يسافرون وغالب أسقيتم الأدم والغالب أنها تغير الماء فلم ينقل عنهم تيمم مع وجود شيء من تلك المياه. (١)

الترجيح:

والراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، القائل بأن هذا الماء المتغير بالطاهر يجوز الوضوء به، لقوة أدلتهم ووضوحها، ولأن اسم الماء باق على الإطلاق، يدل لذلك أنه لم يتجدد له اسم على حده. (٢)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (لا فرق بين المتغير بأصل الخلقة وغيره ولا بما يشق الاحتراز عنه؛ ولا بما لا يشق الاحتراز عنه فما دام يسمى ماء ولم يغلب عليه أجزاء غيره كان طهورا كما هو مذهب أبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى عنه وهي التي نص عليها في أكثر أجوبته. وهذا القول هو الصواب؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا} (٣) وقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} (٤) نكرة في سياق النفي فيعم كل ما هو ماء لا فرق في ذلك بين نوع ونوع. فإن قيل: إن المتغير لا يدخل في اسم الماء؟. قيل: تناول الاسم لمسماه لا فرق فيه بين التغير الأصلي والطارئ ولا بين التغير الذي يمكن الاحتراز منه والذي لا يمكن الاحتراز منه فإن الفرق بين هذا وهذا إنما هو من جهة القياس لحاجة الناس إلى استعمال هذا المتغير دون هذا فأما من جهة اللغة وعموم الاسم وخصوصه فلا فرق بين هذا وهذا) (٥).

ثمرة الخلاف:

من قال: لا تحصل الطهارة به وأنه طاهر غير مطهر، منهم من قال: إذا لم يجد غيره استعمله وتيمم (٦)، ومن قال: تحصل الطهارة به، قال: يتوضأ به ولا يحتاج إلى تيمم.


(١) انظر: المغني (١/ ٢٢،٢١).
(٢) انظر: الهداية للمرغيناني (١/ ٧٢).
(٣) المائدة:٦.
(٤) المائدة:٦.
(٥) مجموع الفتاوى (٢١/ ٢٦،٢٥).
(٦) انظر: الإنصاف (١/ ٤٢).

<<  <   >  >>