للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدلة أصحاب القول الثاني:

الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه) (١).

وجه الدلالة:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البول في الماء الدائم، والنهي هنا خاص ببول الآدمي دون غيره من النجاسات وألحق به الغائط لأنه أفحش منه، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، وذلك لأن النجاسة تفسد الماء، وهذا عام؛ لكن عفي عما يشق نزحه من أجل المشقة. (٢)

ونوقش:

لا يسلم بأن النهي للتحريم أو لتنجيس الماء؛ إذ ليس في الحديث ما يدل على ذلك، بل هو للكراهة التنزيهية (٣).

الدليل الثاني: ماروي أن علياً - رضي الله عنه - سئل عن (صبي بال في بئر فأمرهم بنزحها) (٤).

ونوقش من وجهين:

الوجه الأول: أن هذا الأثر لا تعرف صحته، ومن ذكره لم يعزه إلى شيء من كتب التخريج المعتمده.

الوجه الثاني: على فرض ثبوته يحتمل أنه - رضي الله عنه - أمر بنزحها لأجل الاستقذار وتطيباً للنفوس، لا لأنها تنجست بسب البول فيها (٥).

الترجيح:

بالتأمل في أدلة القولين، يظهر والله أعلم أن القول الأول القائل بأن الماء لا ينجس أرجح، لقوة ما استدلوا به، ولمناقشة القول الثاني، وعدم نهوضها لمعارضة أدلة القول الأول، والله أعلم.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له، كتاب الطهارة، باب البول في الماء الدائم ح/٢٣٩ (١/ ٥٧)، و مسلم في كتاب الطهارة باب النهي عن البول في الماء الراكد ح/٢٨٢ (١/ ٢٣٥).
(٢) انظر: الكافي (١/ ٢٦)، المغني (١/ ١٧)، الشرح الكبير (١/ ١٤)، المبدع (١/ ٣٨)، الشرح الممتع (١/ ٤٠).
(٣) انظر: بداية المجتهد (١/ ٣١)، المجموع (١/ ١٦٤)، مجموع الفتاوى (٢١/ ٤٢)، نيل الأوطار (١/ ٣٧).
(٤) انظر: الأوسط (١/ ٢٧٣)، المغني (١/ ٣٠)، الشرح الكبير (١/ ٢٦)، ولم أعثر عليه في كتب التخريج التي لدي.
(٥) انظر: مفردات الحنابلة للعجلان (١/ ٩٧).

<<  <   >  >>