للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كنّا قد تحدثنا عن مسيرة فن المديح النبوي في المشرق العربي، فهذا لا يعني أن المغرب العربي كان لا يعرف هذا الفن، ولم ينظمه شعراؤه، بل ربما سبق المغاربة المشارقة إلى هذا الفن، لأننا نجد عندهم قصائد كاملة في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، متقدمة زمنيا على ما نجده عند المشارقة، ولسنا هنا في معرض البحث عن أوّلية هذا الفن، ومن الذي بدأه، وفي أي قطر من الأقطار العربية الإسلامية ظهر بادئ ذي بدء، لأن هذا الأمر يظل تخمينا وعرضة للخطأ بسبب فقدان قسم كبير من الشعر العربي ودواوين الشعراء، وخاصة تلك التي ترجع إلى القرون الأولى من عمر الدولة العربية الإسلامية، ولا أظن أن فائدة كبيرة ترجى من معرفة أوّل من نظم المديح النبوي بعد عصر النبي الأمين، وفي أي مكان كان ظهور هذا الفن على الشكل الذي ساد بعد ذلك، وإنما نحاول ذلك تقريبا، من خلال استعراض التراث العربي في عصوره المتتابعة لنبيّن ملامح تطور هذا الفن إلى أن وصل إلى الدولة المملوكية.

فنجد مثلا لابن حبيب، عبد الملك السلمي «١» ، الذي توفي سنة (٢٣٨ هـ) قصيدة يذكر فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في معرض حديثه عن زيارته للمدينة المنورة، فيقول:

لله درّ عصابة صاحبتها ... نحو المدينة تقطع الفلوات

حتى أتينا القبر قبر محمّد ... خصّ الإله محمّدا بصلاة

خير البريّة والنّبيّ المصطفى ... هادي الورى لطرائق الجنّات

لمّا وقفت بقربه لسلامه ... جادت دموعي واكف العبرات

صلّى الإله على النّبيّ المصطفى ... هادي البريّة كاشف الكربات «٢»


(١) ابن حبيب: عبد الملك بن حبيب بن سليمان السّلمي القرطبي، عالم الأندلس وفقيهها في عصره، زار مصر، كان عالما بالتاريخ والأدب وفقه المالكية. توفي سنة (٢٣٨ هـ) .
(٢) المقري: نفح الطيب ١/ ٤٦.

<<  <   >  >>