للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قصائد خاصة، وهذا ما جعل الدكتور زكي مبارك يقطع بأن المتصوفة «ابتدعوا فن المدائح النبوية» «١» .

وأن «المدائح النبوية من فنون الشعر التي أذاعها التصوف» «٢» .

ولم يظهر لي ما ذهب إليه الدكتور زكي مبارك، فالمدائح النبوية ظهرت في زمن متقدم على هذا الشعر، وخاصة في المغرب العربي، وأما ما ظهر عند المتصوفة من مدح نبوي، فهو لا يزيد عما ظهر عند الشعراء من الشيعة أو السنة على حد سواء، وإذا أفرد المتصوفة المديح النبوي في قصائد خاصة، فإن مدحهم هذا من المديح النبوي العام، يفترق عن باقي شعر التصوف الذي ذكر فيه النبي الكريم ضمن موضوعات كثيرة، كما هو الأمر في قصائد ابن الفارض وابن عربي وأضرابهما من المتصوفة.

والقضية الهامة التي يحسن الوقوف عندها في شعر التصوف، والتي تتعلق بالمدائح النبوية هي قضية الحقيقة المحمدية، التي قال بها شعراء المدائح النبوية جميعهم، والتي اختلف الباحثون فيمن أتى بها أول مرة. فمنهم من قال إن المتصوفة هم الذين ابتدعوها، ومنهم من قال إن الشيعة هم الذين أدخلوها إلى الفكر العربي، ومنهم من ذهب إلى أن أهل السنة هم الذين قالوا بالحقيقة المحمدية، وأخذها الشيعة والمتصوفة عنهم.

والحقيقة المحمدية، أو نظرية تنقل النور المحمدي، أو قدم الوجود المحمدي، هي القول بأن النور المحمدي موجود قبل هذا الوجود، وأنه تجسد في شخص آدم، وظل ينتقل من نبي إلى نبي حتى ظهر في شخص النبي صلّى الله عليه وسلّم، والصوفية يذهبون إلى أن هذا النور لا زال ينتقل من قطب إلى قطب، وسوف يظل كذلك إلى يوم الدين.

وقد عبّر الدسوقي عن اعتقاد الصوفية في الحقيقة المحمدية، وانتقالها إلى الأقطاب في قوله:


(١) مبارك، زكي: التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق ١/ ٨٨.
(٢) مبارك، زكي: المدائح النبوية في الأدب العربي ص ١٧.

<<  <   >  >>