للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نعم نشأتي في الحبّ من قبل آدم ... وسرّي في الأكوان من قبل نشأتي

أنا كنت في العلياء مع نور أحمد ... على الدرة البيضاء أو في خلوّتي

أنا كنت في رؤيا الذّبيح فداؤه ... بلطف عنايات وعين حقيقة

أنا كنت مع عيسى على المهد ناطقا ... وأعطيت داودا حلاوة نغمة

أنا كنت مع نوح بما شهد الورى ... بحارا وطوفانا على كفّ قدرة

أنا ذلك القطب المبارك أمره ... فإنّ مدار الكلّ من حول ذروتي «١»

وقد شغلت نظرية الحقيقة المحمدية حيزا كبيرا من تفكير ابن عربي، لأنه يؤكد على مبدأ وراثة الأقطاب للأنبياء، وهذا يعلي من شأن الصوفية، وكبارهم على وجه الخصوص، ويجعل المريدين يمتثلون لكل ما يأتي به القطب. ففي معرض حديثه عن خزائن الجود والكرم، قال: «هي الأسماء الإلهية المتجلية في الموجودات على اختلاف أنواعها، فمحمد صلّى الله عليه وسلّم يمد المخلوقات بها، لأنه هو وحده المظهر الكامل لها جميعها، وبذلك استحق اسم عبد الله، والله اسم جامع لجميع الأسماء الإلهية. ولأن محمدا أو حقيقة محمد واسطة الخلق، وحلقة الاتصال بين الذات الإلهية والمظاهر الكونية، فهو بمثابة العقل الأول في الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، وبمثابة المسيح في الفلسفة المسيحية، وبمثابة المطاع في فلسفة الغزالي» «٢» .

وأوضح ابن عربي رأيه في الحقيقة المحمدية من طريق آخر، هو طريق الاصطفاء الإلهي للرسول الكريم، فهو خيار من خيار من خيار، فقال: «واصطفى واحدا من خلقه، هو منهم وليس منهم، هو المهيمن على جميع الخلائق، جعله عمدا أقام عليه قبة


(١) الشعراني: لواقح الأنوار ١/ ٢٤٤.
(٢) ابن عربي: فصوص الحكم ٢/ ٥.

<<  <   >  >>