للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجود، جعله أعلى المظاهر وأسناها، صح له المقام تعيينا وتعريفا، فعلمه قبل وجود طينة البشر، وهو محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» «١» .

وهنا يشير ابن عربي إلى الحديث الشريف الذي نظمه شعراء المديح النبوي، وهو «إني عبد الله في أم الكتاب وإن آدم لمنجدل في طينته» «٢» .

وقد سبق الحلاج هؤلاء المتصوفة إلى القول بالحقيقة المحمدية في كتابه (الطواسين) ، حين جعل نور النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم أساس أنوار الأنبياء، وجعل وجوده أقدم من القدم، وقبل أن يخلق الكون، فقال: «أنوار النبوة من نوره برزت، وأنوارهم من نوره ظهرت، وليس في الأنوار نور أنور وأظهر، وأقدم من القدم، سوى نور صاحب الكرم، همّته سبقت الهمم، وجوده سبق العدم، واسمه سبق القلم» «٣» .

وقال أيضا: «كان مشهورا قبل الحوادث والكوائن والأكوان، ولم يزل مذكورا قبل القبل، وبعد البعد، والجوهر والألوان» «٤» .

لاقت الحقيقة المحمدية قبولا عند معظم شعراء المديح النبوي، المنتمين إلى اتجاهات دينية مختلفة، فتسابقوا إلى إيضاحها، وصبّها في قوالب شعرية معبرة، يزيدون عليها ما يلائم مذهب كل منهم، ويقفون في نسبها عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينا، ويجاوزونه إلى علي بن أبي طالب حينا آخر، ويصلون بها إلى الخلفاء والأقطاب في أحيان كثيرة، وكلهم يطلب القداسة لما يذهب إليه، ويدعم قوله بروايات غيبية وأحاديث شريفة، وجعلوا من الحقيقة المحمدية أقصى ما يمدحون به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.


(١) ابن عربي: الفتوحات المكية ٢/ ٧٣.
(٢) مسند الإمام أحمد: ٤/ ١٢٧- ١٢٨. وفي سنن ابن ماجه (ما أصابني شيء منها إلا وهو مكتوب علي وآدم في طينته) وقد ضعّف المحقق سند الحديث- كتاب الطب، حديث- ٤٥- وحكم ابن عراق الكناني بوضعه في كتابه تنزيه الشريعة: ١/ ٣٤١.
(٣) الحلاج: كتاب الطواسين ص ١١.
(٤) المصدر نفسه: ص ١٢.

<<  <   >  >>