للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واتخذوها ردا وموازاة لما يذهب إليه النصارى في المسيح، حين احتدم الجدال بين المسلمين وأهل الكتاب إبّان الحروب الصليبية، وذهبوا في تلوينها وتغييرها كل مذهب، لكنهم جميعا حافظوا على جوهرها القائم على قدم النور المحمدي الذي خلق قبل خلق الكون، والذي فاضت عنه المخلوقات جميعها، فأضحى بذلك علّة الكون، كما يقول ابن الفارض على لسان النبي الكريم:

ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن ... شهود ولم تعهد عهود بذمّة

فلا حيّ إلّا عن حياتي حياته ... وطوع مرادي كلّ نفس مريدة «١»

ومدح ابن عربي الرسول الكريم بصفات كثيرة، منها المكانة السامية، وإصلاح الزمان، ونفاذ إرادته لكنه بدأ مدحه بالحقيقة المحمدية:

ألا بأبي من كان ملكا وسيّدا ... وآدم بين الماء والطّين واقف

فذاك الرّسول الأبطحيّ محمّد ... له في العلا مجد تليد وطارف «٢»

وقد يذكر الشعراء المتصوفون الحقيقة المحمدية، ويدّعون وراثتها، وكأنهم بذلك يمدحون أنفسهم، بعد أن مدحوا صاحبها، وكما كان آل البيت يمدحون بالانتساب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان الخلفاء يحرصون على أية نسبة إليه، مهما كانت بعيدة، ولو كان تشابها في الاسم، أو تشبها بالعمل، فإن المتصوفة مدحوا أنفسهم، أو افتخروا بالانتساب إلى الرسول الكريم ووراثة علمه عن طريق الحقيقة المحمدية الخالدة، التي وجدت قبل خلق الكون، وستستمر إلى يوم القيامة، فأمّنوا بذلك إشادة لأنفسهم، وأضفوا عليها شيئا من القداسة، جعلت الناس تقدرهم، والسلاطين يتصاغرون أمامهم، فلا عجب أن يدعي ابن عربي أنه ولد الأنبياء فيقول:


(١) ديوان ابن الفارض: ص ٥٥.
(٢) ابن عربي: الفتوحات المكية ٢/ ١٤٣.

<<  <   >  >>