للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالمؤمنون جميعا في شوق إلى الأماكن المقدسة، وإلى أداء فريضة الحج، وزيارة قبر النبي الكريم، أما المتصوفة فإن طريقتهم في العباد تجعل شوقهم إلى المقدسات يستبد بهم، ويأخذ عليهم أنفسهم.

وهكذا اشتد ذكر الأماكن المقدسة للدواعي المختلفة التي عرضنا لها، وأضحى هذا الذكر فنا شعريا قائما بذاته، يعبر به الشعراء عن شوقهم للأماكن التي رفع الله قدرها، والتي شهدت ولادة رسول الله ونشأته ومبعثه ووفاته.

ولا يوجد في هذا الفن ما يفرض على الشعراء قيودا من أي نوع، لذلك ذهب به الشعراء كل مذهب، وأجادوا في قوله أيما إجادة، وعبّروا من خلاله بحرية تامة عن عواطفهم الدينية، ومشاعرهم السامية، وأظهروا فيه مقدرتهم الفنية، فجعلوه نفثات أنفسهم، ورفيف أرواحهم، ووجدوه أنسب ما يقدمون به للشعر الديني، وقصائد المديح النبوي منه خاصة، فأحيوا تلك الأماكن وناجوها، واستنطقوا تلك المعاهد وحاوروها، وحمّلوا النسيم والبرق رسائلهم إليها، وأضفوا على نياقهم المشاعر الإنسانية، وخلعوا عليها عواطفهم وأحاسيسهم، فأشركوها معهم في شوقهم وحنينهم، مثل قول جعفر السراج (ت ٥٠٠ هـ) :

قضت وطرا من أرض نجد وأمّت ... عقيق الحمى مرخى لها في الأزمّة

وخبّرها الرّوّاد أنّ لحاجر ... حيا نورّت منه الرّياض فحنّت

وغنّى لها الحادي فأذكرها الحمى ... وأيّامها فيه وساعات وجرة

وقد شركتني في الحنين ركائبي ... وزدن علينا رنّة بعد رنّة «١»

وقد أسكن الشعراء معاهد الحجاز محبوباتهم، وأرسلوا إليهن شوقهم ووجدهم،


(١) الحموي، ياقوت: معجم الأدباء ٧/ ١٥٥.

<<  <   >  >>