للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلها، ولم يفخروا بنشرها، لأنهم عاجزون عن حصر هذه الفضائل أو عن إدراك جوهرها، أو كما قال تقي الدين الطبيب «١» :

مجد كبا الوهم عن إدراك غايته ... وردّ عقل البرايا وهو معقول «٢»

ولم يفت شعراء المدائح النبوية أن يجاروا غيرهم، ويمدحوا رسول الله بجمال الخلقة والهيئة، بل إن الوصف الخارجي الذي لا يعد من المديح المجلي، والذي نادرا ما يلجأ إليه الشعراء إلا بلمحات خاطفة، يصبح عند شعراء المديح النبوي ذا دلائل خاصة، فهو يشبع حاجة الناس لمعرفة شكل رسولهم الممجّد، وتشكيل صورة له في أذهانهم وأحلامهم، وهو من ناحية ثانية يعبّر عن الجمال المطلق الذي تعلّق به الصوفية، والذي هو من درجات الكمال، ولمّا كان الرسول الكريم أفضل البشر أخلاقا وأعلاهم مقاما وجب أن يكون عند الشعراء أجمل الناس وجها، وأتمهم خلقة، لذلك أكثروا من وصف جماله، والتغني بحسنه وبهائه، وهم يقتدون بشاعره حسان بن ثابت، الذي قال فيه:

وأحسن منك لم تر قطّ عيني ... وأجمل منك لم تلد النّساء

خلقت مبرّأ من كلّ عيب ... كأنّك قد خلقت كما تشاء «٣»

وبكعب بن زهير الذي وصفه بقوله:

مسح النّبيّ جبينه ... فله بياض بالخدود

وبوجهه ديباجة ... كرم النّبوّة والجدود «٤»


(١) تقي الدين الطبيب: شبيب بن حمدان بن شبيب، الأديب الفاضل، الطبيب الكحال الشاعر، له ديوان شعر، توفي سنة (٦٩٥ هـ) . الصفدي: الوافي بالوفيات ١٦/ ١٠٧.
(٢) الصفدي: الوافي بالوفيات ١٦/ ١٠٧.
(٣) ديوان حسان بن ثابت: ص ٦٦.
(٤) ديوان كعب بن زهير: ص ٢٥٩.

<<  <   >  >>