للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بهاء الدين السبكي، يصرح في إحدى مدائحه النبوية، بأنه سيعرض فيها بعض المعجزات على كثرتها، وعجز الناس عن حصرها، فيقول:

له المعجزات الغرّ لاحت خوارقا ... وباهر آيات عن الحصر جلّت

ولكن سنأتي من بدائع حسنها ... بنزر يسير وقعة بعد وقعة «١»

وقد تفاوت شعراء المديح النبوي في القدر الذي يذكرونه من هذه المعجزات، فمنهم من اقتصر على معجزة واحدة، ومنهم من انتخب منها الأصح والأثبت، ومنهم من ذكر منها ما وسعه إلى ذلك سبيلا، فابن حجر انتخب بعض هذه المعجزات، وضمّنها مدحته النبوية، فقال:

ذي المعجزات فكلّ ذي بصر غدا ... لصوابها بالعين ذا تصويب

وانشقّ بدر التّمّ معجزة له ... وبه أتاه النّصر قبل مغيب

نطق الجماد بكفّه وبه جرى ... ماء كما ينصبّ من أنبوب «٢»

وخصّص بعض شعراء المديح النبوي جلّ قصائدهم لذكر المعجزات، وكأنهم بلغوا بذلك في المدح النبوي منتهاه، لأن المعجزات في نظرهم أهم جانب في شخصية الإنسان، وهي دليل القوة الخارقة، والقرب من الله تعالى.

فصار ذكر المعجزات سمة عامة في المدائح النبوية، يحاول الشاعر أن يحشد أكبر قدر من المعجزات في قصيدته، ولا يتوقف عندها ليستخلص العبر، أو ليظهر عواطفه اتجاهها، وإنما يمضي في سردها سردا مجردا، بل إن بعض القصائد أوقفت على إيراد


(١) المجموعة النبهانية: ١/ ٥١٩.
(٢) المصدر نفسه: ١/ ٤٦٠.

<<  <   >  >>