للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعجزات، وكأن همّ أصحابها هو أن ينظموا فيها كل ما ذكرته كتب السيرة والخصائص، مثل القصيدة الشقراطيسية التي مرّت معنا.

أما البوصيري، فإنه لا يسرد المعجزات سردا، بل ينثرها في قصيدته، ويظهر ما يراه فيها، ومشاعره نحو صاحبها، وربما أوردها في باب المقارنة بين معاملة أهل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له، وبين تعاطف الطبيعة معه، مظهرا المعجز في ذلك، وقد يورد بعض هذه المعجزات للدلالة على مكانة رسول الله، وإثباتا لنبوته، وخاصة عند ما يجادل أهل الكتاب، فبعد إحدى هذه المجادلات، قال:

عجبا لهم لم ينكرون نبوّة ... ثبتت ولم ينفخ بادم روح

أعجبت أن غدت الغمامة آية ... لمحمّد يغدو بها ويروح

أو أن أتت سرح إليه مطيعة ... فكأنّما أتت الرّياض سروح «١»

ولمنبع الماء المعين براحة ... راح الحصى وله بها تسبيح

وبأن يرى الأعمى وتنقلب العصا ... سيفا ويحيا الميت وهو طريح

وبأن يفيض له ويعذب منهل ... قد كان مرّا ماؤه المنزوح

يا برد أكباد أصاب عطاشها ... ماء بريق محمّد مجدوح «٢»

والبوصيري يدافع عن هذه المعجزات وصحتها، لأن العقل يتوافق فيها مع النص، فيقول:

وكم أتت عن رسول الله بيّنة ... في فضلها وافق المنقول معقول


(١) سروح: دواب سارحة.
(٢) ديوان البوصيري: ص ١٠٤.

<<  <   >  >>