للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم أنتحلها ولم أغصب معانيها ... وغير مدحك مغصوب ومنحول

وما على قول كعب إن توازنه ... فربّما وازن الدّرّ المثاقيل «١»

فالبوصيري تحدث عن أخذ المعاني من القصيدة المعارضة، ونفى أن يكون هذا الأخذ نوعا من الغصب والسرقة، وخاصة في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فشعراء المدائح النبوية تعاوروا معاني محددة في جميع قصائدهم، فممدوحهم واحد ونظرتهم إليه واحدة، وتفاضلهم يكون في مقدرتهم على توليد معان جديدة من المعاني المعروفة، وعلى استخدام هذه المعاني استخداما جديدا متفردا يزيدها عمقا ويمنحها دلالات جديدة وإيحاآت مؤثرة.

وعارض الشرف الأنصاري لامية كعب، فقال:

أو همت نصحا (لو أنّ النّصح مقبول ... لا ألهينّك إنّي عنكك مشغول)

بان التّجلّد عنّي والتّصبّر مذ ... (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول)

تيّاهة آثرت صدّا لمغرمها ... (متيّم إثرها لم يفد مكبول) «٢»

فمعارضة الشرف الأنصاري هي تشطير لقصيدة كعب (بانت سعاد) ، جعل الشطر الأول من نظمه، ولاءم بينه وبين الشطر الثاني الذي اختاره من قصيدة كعب، فأخذ جلّ معاني قصيدة كعب.

وجاء بعد ذلك ابن مليك الحموي، فعارض قصيدتي كعب والبوصيري، فأخذ معاني من هذه، ومعاني من تلك، وقال:

لا تحسبوا طرفه بالنّوم مكتحلا ... ما الطّرف بعدكم بالنّوم مكحول


(١) ديوان البوصيري: ص ٢٢٠.
(٢) ديوان الشرف الأنصاري: ص ٣٨٩.

<<  <   >  >>