للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا حلّت الهداية قلبا ... نشطت في العبادة الأعضاء «١»

واستطاع البوصيري أيضا أن يخرج بمعان جديدة من حديثه عن المعجزات، حين قارن بين المكاذبين لرسالته الغراء، وموقف الحيوان والجماد، الذي أظهر المعجز في سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في قوله:

والجمادات أفصحت بالذي أخ ... رس عنه لأحمد الفصحاء

ويح قوم جفوا نبيّا بأرض ... ألفته ضبابها والظّباء

وسلوه وحنّ جذع إليه ... وقلوه وودّه الغرباء

أخرجوه منها وآواه غار ... وحمته حمامة ورقاء «٢»

فالمعجزات التي نقلها شعراء المديح النبوي نقلا إلى قصائدهم، ونظموها نظما، فجارت على شعرهم وأفقدته رواءه، أوحت للبوصيري بمعان جديدة متميزة، أظهرت مقدرته الفائقة على الملاحظة الدقيقة، واقتناص المعاني الجديدة، وتوليدها.

ولا يفوتنا هنا ما أضافه المتصوفة من معان جديدة وغريبة إلى المدائح النبوية، والمتأتية من مذهبهم، ومن طريقتهم في التعبير، والتي تقوم على الرمز والاستبطان، والتعبير عن معان غامضة بتعابير لها معان ظاهرة، يريد الشاعر أن يصرف المتلقي عن المعاني الظاهرة إلى المعاني المستترة وراء الكلمات ووراء العلاقات فيما بينها.

وأكثر ما يظهر ذلك في معاني الحقيقة المحمدية، التي لم تكن معروفة بين الشعراء في المراحل الأولى من المديح النبوي، والتي استجدت في العصر المملوكي أو قبيله بقليل، فتناولها الشعراء بطرق مختلفة، ومن وجوهها الكثيرة، منها مسألة المفاضلة بين


(١) ديوان البوصيري: ص ٥٢.
(٢) المصدر نفسه: ص ٥٣.

<<  <   >  >>