للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصرصري الذي أظهر شاعرية فياضة ومقدرة كبيرة في المدح النبوي، والذهاب به كل مذهب، لم يشأ أن يترك النظم، وكأنه عدوى تصيب كل شعراء المديح النبوي، أو أنها كانت مدار تفاخر وتبار وإظهار المقدرة والتميز، ولذلك نجده ينظم عقيدته في إحدى القصائد على طريقة العلماء في تقرير علومهم، وينظم السيرة والمعجزات، فيبرد أسلوبه، وتثقل صياغته، مثل قوله:

تنكّست الأصنام عند ولاده ... كما نكّستها منه في الفتح إصبع

لقد شرحت منه الملائك صدره ... وكان له من أبرك العمر أربع

وكان ابن خمس والغمام تظلّه ... وفي العشر نور الشّرح في الصّدر يلمع

وفي الخمس والعشرين سافر تاجرا ... بمال رزان للمفاوز يقطع

إلى أن أرته الأربعون أشدّه ... فأضحى بسربال الهدى يتدرّع «١»

ويستمر الصرصري في نظم السيرة، ويعدد المعجزات دون أن يشعر أنه ينظم شعرا، وربما إلفته للشعر جعلته ينسى ذلك، فهو يعبر بالشعر عن حاجاته، فلماذا لا يجعله نظما للسيرة النبوية؟

فالمضمون السامي يغفر للأسلوب ركاكته وثقله، وافتقاره لروح الشعر وروائه. أو هكذا كانوا يظنون، وإلا فما معنى أن ينظم شاعر كبير مثل الصرصري هذا الحديث على طريقة المحدثين، فيقول:

ألا يا رسول المليك الذي ... هدانا به الله من كلّ تيه

سمعت حديثا من المسندا ... ت يسرّ فؤاد الفقيه النّبيه

رواه ابن إدريس شيخي الذي اس ... تقام على منهج يرتضيه


(١) ديوان الصرصري: ورقة ٥٩.

<<  <   >  >>