للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأرجو أن أعيش به سعيدا ... وألقاه وليس عليّ حوب

يفرّج ذكره الكربات عنّا ... إذا نزلت بساحتنا الكروب

مدائحه تزيد القلب شوقا ... إليه كأنّها حليّ وطيب «١»

فما أجمل هذا المطلع، وما أحلى هذه الثقة المطلقة بالمدح النبوي، الذي يحيي القلوب الغافلة، التي أماتها حب الدنيا وبهرجها. لقد ارتاح البوصيري إلى المدح النبوي، الذي جعل حياته سعيدة، وأزاح كروبه، وجعله متيقنا من مغفرة الله لذنوبه، فهل يطمح الإنسان إلى أكثر من هذا؟

لقد وصل تأثير المدح النبوي عند الناس، والاعتقاد به، إلى جعل المدائح النبوية وسيلة لرؤيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام، فقد قال السخاوي عن شاعر يدعى ابن العليف:

«بلغني أن له قصيدة نبوية، أودعها في ديوان له، مشتمل على قصائد غالبها صوفية، أولها:

هذا النّبي الذي في طيبة وقبا ... له النّبوّة تاج والقرآن قبا

وقال: أنه ما قرأها أحد ليلة الجمعة عشر مرات إلا رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في منامه» «٢» .

وروى الوتري قصة رؤياه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بعد إتمام ديوانه (معدن الإضافات) ، فقال: «لقد كنت رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة فراغي من تبييضها، وهي في يده صلّى الله عليه وسلّم، ومعه جماعة من أصحابه.. فكان يقول: انظروا بأي شيء مدحت، وما قيل فيّ، فعلمت أنها وقعت منه صلّى الله عليه وسلّم بموقع، فاستيقظت مسرورا بما أعطاني الله تعالى ... وبعد ما يقارب ثلاث سنين، كنت أردد نظري فيها، وأزيدها ترقيقا وتنقيحا.. ثم رقدت باقي الليل فرأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم في المنام وهو يقول لي: إنّ الله قد شفّعني في أهلك وزوجك وخادمك


(١) ديوان البوصيري: ص ٨٣.
(٢) السخاوي: الضوء اللامع ٥/ ٢٩٨.

<<  <   >  >>