وقد أدرك الأدباء والمؤلفون هذه الحقيقة، فعجبوا لهذه الكثرة الكاثرة من مدائح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتساءلوا عن المدى الذي يستطيع الشعراء الوصول إليه في هذا الباب، وما الذي يمكن أن يقولوه بعد أن بذلوا طاقاتهم كلها في نظمه؟
إن تهيّب بعض الشعراء من المشاركة في المدح النبوي لم يمنع أكثرهم من المشاركة الواسعة فيه، وإفراغ جهدهم في نظمه، ومع ذلك أدرك أهل العصر أن الإطناب في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والإكثار من نظم المدائح النبوية، لن يفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حقه، إلا أن ذلك لم يمنعهم من المضي في ذلك، لأن كل شاعر حرص على أن تكون له مشاركة صغرت أم كبرت- في هذا الفن، لأنه يؤمن للشاعر الشهرة ومعرفة الناس له من ناحية، ولأنه يطمع بغفران الله وثوابه من ناحية ثانية.
فالدواوين المستقلة كثيرة، والدواوين التي يغلب عليها المدح النبوي كثيرة أيضا.
ديوان البوصيري في معظمه مدح نبوي، وديوان الصرصري في مجمله مدائح لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والشهاب محمود نظم ديوانا خاصا في المدح النبوي، هو (أهنى المنائح في أسنى المدائح) ، والوتري له ديوان مستقل في المدح النبوي هو «معدن الإفاضات في مدح أشرف الكائنات» ، والبرعي ديوانه مقصور على المدح النبوي والابتهالات، والنواجي له ديوان خاص بالمدح النبوي هو «شمس المطالع» وكذلك للفزاري ديوان «الوسائل المتقبلة» ، ولابن الجيّاب ديوان في المدح النبوي. ودواوين شعراء العصر، يحتل المدح النبوي جانبا هاما منها، وهناك دواوين كثيرة ذكرت في كتب الفهارس القديمة، وفي فهارس المكتبات العالمية.
وندر أن تفرّد فن شعري من فنون الشعر العربي بديوان خاص به، أو قصر شاعر شعره كله على فن واحد. وهذا دليل على أن المدح النبوي أضحى في الشعر العربي فنا خاصا قائما بذاته، له أهمية كبيرة عند شعراء العربية، وله انتشاره وسيرورته. لقد أصبح المدح النبوي جزآ لا يستهان به من الشعر العربي في العصر المملوكي، وقبيله وبعده.