للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد اتسع المدح النبوي اتساعا كبيرا لدواعي مختلفة، ولأنه فن أصيل يلتقي مع كوامن النفوس المؤمنة ومع متطلبات الحياة، فالدين ينظم حياة البشر ويعطيها معناها وغايتها، والأدب ينيرها ويجمّلها ويوسع آفاقها، وحين يلتقي الدين والأدب لرفعة المجتمع لا بد من أن يعملا على النهوض به نحو السعادة، وأن يخلصاه من منغصاته.

والأدب الديني ليس جديدا على أدبنا العربي، أو الآداب الآخرى، فالأدب والعقيدة متكاملان، والشعر لما له من مكانة في نفوس الناس، استطاع أن يخدم الدين، وينشر أهدافه ويدافع عنه، كما استطاع الدين أن يمدّ الشعر بموضوعات جليلة، وأن يمنحه ظلالا عاطفية محببة.

ومن هنا حاول شعراء المدح النبوي تجسيد المثل الإنساني الكامل، الذي يتفق جميع المسلمين على تعظيمه وتنزيهه، وقدموا للمطلعين على شعرهم التجارب الإنسانية الرائعة التي يكبرها العقل الإنساني ويفيد منها ويتخذها هدفا له، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندهم الإنسان الكامل وبطل أبطال البشرية، وجماع الخير، وممثل الفضائل ومجسّد العبقرية الإنسانية، والنور الكوني المقتبس من نور الله، والصورة المشرقة لخلافة الله في الأرض.

والأدب يعكس الحياة، وشعراء المدح النبوي لم يكونوا في شعرهم بعيدين عن عصرهم ومجتمعهم، وإنما كانوا يجسدون حالا موجودة، تشغل الناس، وهي الاحتفال بالنبي صلّى الله عليه وسلّم والإشادة به في ظل ظروف الحرب والقهر، أو تعرض الدين لهجمة شرسة، ونبيهم لافتراآت الغزاة وإفكهم، فكان لا بد لهم من الرد، والانتصار لدينهم ونبيهم، أو أنهم استحضروا السيرة النبوية والشمائل النبوية، وأشاعوها في حياتهم للوصول إلى هدف معين.

فهناك تبادل في التأثير والتأثر بين الأدباء ومجتمعاتهم، والأدب يسعى إلى تغيير المجتمع بما يقدمه إليه من قيم جديدة، أو يحيي فيه قيما معروفة، ويعمل على ترسيخها.

<<  <   >  >>