للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وينسجم هذا المفهوم للشعر مع المفهوم الإسلامي الذي أراد للشعر أن يكون أداة بناء للمجتمع، يشجع على التخلق بالأخلاق الفاضلة، واعتناق المثل العليا، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبصّر الشعراء المسلمين بمواطن القول الحق، ويبعدهم عن الروح الجاهلية والتقاليد الفنية التي نشؤوا عليها، ونظموا شعرهم من وحيها، فهو أراد للشعر أن يكون فنا كريما، ملتزما بقضايا الإنسان، ينشد الحق والخير والمبادئ السامية، لا ممتهنا ولا وسيلة تكسب، وأراد للشاعر أن يكون فاضلا مؤمنا صادقا في فنه.

إن دواعي اتساع المدح النبوي ومسوغاته في العصر المملوكي كثيرة ومتنوعة، فالظروف السياسية والاجتماعية والدينية التي كانت سائدة آنذاك، كانت كلها تدفع الشعراء إلى مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والإكثار من مدحه.

فالصراع مع العدو الخارجي كان على أشده، والغزاة أرادوا اقتلاع الوجود العربي، وقد صبغ الأوروبيين عدوانهم بصبغة دينية، فهاجموا الإسلام وانتقصوا من قدر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فردّ الشعراء عليهم بالإشادة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومدحه وتقديمه على الناس جميعا والأنبياء الكرام، وقدموا في قصائد مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صورا من البطولة والتضحية وأمثلة على التفاني في نصرة الحق، ليحثوا المسلمين على مقاومة الغزاة، ورد عدوانهم على الأرض والأمة وتراثها.

وكذلك الأمر مع سياسة المماليك الداخلية، فقد انفردوا بالسلطة، ولم يقيموا العدالة الاجتماعية كما يجب أن تكون، ولم يحافظوا للعرب حقهم في التقدير، وهم أصحاب البلاد، وهم الذين حملوا راية الإسلام ورسالته إلى العالم، وهم أهل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاءت المدائح النبوية لتذكر المماليك بهذه الحقائق ولتحفز العرب على المطالبة بحقوقهم، واستعادة مكانتهم وأمجادهم.

وحفل العصر الملوكي بصور من المظالم التي عانى منها الناس كثيرا فجاءت المدائح

<<  <   >  >>