النبوية متوسلة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليرفع عنهم هذه المحن، فيرفعون ظلمهم عن الناس، ولعل الناس يعرفون حقوقهم، فيطالبون بها، ويرفعون الجور عن أنفسهم.
وكان للجدل الديني المحتدم بين المسلمين وأهل الكتاب من جهة، وبين المسلمين أنفسهم من جهة أخرى، أثره في دفع الشعراء لنظم المدائح النبوية، ولرد افتراآت الغزاة، ولمقاومة البدع الدينية، أو لعرض مذاهبهم الدينية وآرائهم في القضايا الدينية التي اختلف المسلمون حولها.
هذه الأسباب وغيرها كانت وراء اندفاع الشعراء إلى نظم المدائح النبوية، وانتشار هذه المدائح، وانشغال أهل العصر بها على اختلاف مستوياتهم ومشاربهم.
أما المدحة النبوية، فإنها قصيدة ذات مضمون مستقل، وشخصية متفردة، إذ إنها تحوي الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومدحه، وهو إنسان متفرّد بين بني البشر، وقد اصطلح مادحو النبي الكريم على مضمون محدد لها، واستقروا على إيراد معان محددة فيها، يتفاوتون فيما بينهم في القدر الذي يضمّنونه منها مدائحهم النبوية.
فالمضمون الأساس للمدحة النبوية هو مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي يتألف من الإشادة بأخلاقه وشمائله على الطريقة التقليدية وبالقيم التقليدية التي اعتاد الشعراء العرب على مدح سادتهم بها، لكن المعاني التقليدية أخذت طابعا خاصا في المدائح النبوية، واكتسبت وهجا فريدا عند نسبها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فخرجت عن تقليديتها، لأن الشعراء باتوا يدركون مفهوم النبوة، ويعرفون أنهم يمدحون بها سيد الوجود، ويراعون فيها النبوة.
وإلى جانب ذلك مدحه الشعراء بالقيم الدينية وبمكانته صلّى الله عليه وسلّم عند ربه، ومكانته بين الأنبياء، وأثره في حياة الإنسانية، واستقصوا فضائله وخصائله الكريمة، وحرصوا على ألا يفوتهم شيء منها.