للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأخذ الشعراء هذا المعنى، واستخدموه عند التعزية، وعند التفكّر في المصائب، ومن ذلك قول ديك الجن «١» :

تأمّل إذا الأحزان فيك تكاثفت ... أعاش رسول الله أم ضمّه قبّر «٢»

إن العصر العباسي عصر طويل نسبيا، ولم تسر فيه الأمور رتيبة متشابهة، ولم تكن الظروف متماثلة، ولذلك كان لا بد من اختلاف الظواهر الأدبية وتطورها، وليس دمج الحقب العباسية في عصر واحد إلا لتسهيل الدراسة، فخصائص الأدب في صدر العصر العباسي تختلف عنها في نهايته، إذ إن القسم الثاني من زمن الدولة العباسية شهد سيطرة العناصر الأعجمية على الخلافة، وانقسام الدولة إلى ممالك لا تدين للخلافة العباسية إلا بالولاء الإسمي فقط، ولكن هذا لا يعني أن الحركة الثقافية قد انقسمت إلى حركات متباينة، ولا يعني أن الأدب العربي في هذا العصر قد اختلف بين دولة وأخرى، لأن الثقافة والأدب ظلّا على تواصلهما وتفاعلهما، وإن تلون الأدب بألوان خافتة، تظهر أثر القطر الذي كتب فيه، فقد بقي تطور الأدب العربي على خط واحد تقريبا في جميع الأقطار العربية الإسلامية وبقيت الظواهر الأدبية العامة مشتركة بينها، فلا يظهر فن أدبي في هذا القطر، حتى ينتشر بسرعة كبيرة في الأقطار العربية الإسلامية الآخرى، ولا تشيع طريقة فنية في قطر حتى يتلقفها الأدباء في بقية الأقطار، حتى يصعب على الباحث أن يقرر أوّلية هذا الفن أو ذاك، وهذه الطريقة أو تلك، ومن هذه الفنون فن المدائح النبوية، الذي يصعب معرفة أين ظهر متكاملا أول مرة، أفي مشرق الوطن العربي الإسلامي أم في مغربه، هذا إذا استثنينا عصر البعثة النبوية، وإني هنا سأتحدث عن


(١) ديك الجن: عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام الكلبي، شاعر مجيد فيه مجون، أصله من سلمية قرب حماه، لم يفارق بلاد الشام ولم ينتجع بشعره، له ديوان شعر، مولده ووفاته بحمص سنة (٢٣٥ هـ) . ابن خلكان: وفيات الأعيان ٣/ ١٨٤.
(٢) الراغب الأصفهاني: محاضرات الأدباء ٢/ ٢٣٠.

<<  <   >  >>