للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المدائح النبوية في العصر العباسي في المشرق، وسأتحدث عنها في المغرب فيما بعد، ولن يكون حديثي مفصلا، وسأكتفي بالإشارة إلى أهم القضايا المتعلقة بالمديح النبوي إلى أن وصل إلى العصر المملوكي.

ظهرت في الدور الثاني من العصر العباسي قصائد عدة في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بدأها الشعراء بمعارضة قصائد قيلت في مدح النبي الكريم في أثناء حياته، وخاصة قصيدة كعب بن زهير (البردة) ، ومن الذين عارضوا هذه القصيدة في هذا الدور، الشاعر العربي الأبيوردي «١» في قصيدة مطلعها:

خاض الدّجى ورواق اللّيل مسدول ... برق كما اهتزّ ماضي الحد مصقول «٢»

ويبدو أن الشعراء كانوا متهيبين من مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأنهم لا يدرون كيف يخاطبونه، وما هي معاني المديح التي تليق به، ولا يدرون كيف يبنون قصائد مديحه، خوفا من الخطأ والإساءة من حيث لا يدرون ولا يقصدون، فوجدوا أن أسلم طريقة لذلك هي معارضة قصائد مدح بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حياته، ورضي عنها وكافأ عليها، ولهذا نجد الأبيوردي يبدأ قصيدته مثلما بدأها كعب بوصف الرحلة، وعلى طريقة كعب، لكنه لم يتابع كعبا بيتا بيتا، ولم يجاره في المطلع، ولم يتسع اتساعه في وصف الرحلة والغزل، فبعد أن شام البرق في مطلع قصيدته، وصف رحلته ببضعة أبيات، انتقل بعدها إلى الغزل ليتركه قائلا:

صدّت ووقّرني شيبي فما أربي ... صهباء صرف ولا غيداء عطبول

وحال دون نسيبي بالدّمى مدح ... تحبيرها برضا الرّحمن موصول


(١) الأبيوردي: محمد بن أحمد بن محمد القرشي الأموي، شاعر عالي الطبقة، مؤرخ عالم بالأدب، ولد في أبيورد بخراسان وكان يفخر بعروبته ويعتز بها، له كتاب (تاريخ أبيورد) و (المختلف والمؤتلف في الأنساب) مات مسموما سنة (٥٠٧ هـ) . ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب ٤/ ١٨.
(٢) ديوان الأبيوردي: ١/ ٩٧- رواق الليل: ظلمته.

<<  <   >  >>