للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أزيرها قرشيّا في أسرّته ... نور ومن راحتيه الخير مأمول

تحكي شمائله في طيبها زهرا ... يفوح، والرّوض مرهوم ومشمول «١»

هو الذي نعش الله العباد به ... ضخم الدّسيعة متبوع ومسؤول

وهكذا مضى الشاعر في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جامعا بين القيم التقليدية التي سار عليها القوم في المدح، ومتخذا من كعب بن زهير قدوة له في ذلك، وبين المفاهيم الدينية التي ينفرد بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن سائر الناس، ثم أكدأنه سيظل على سنته، وأنه سينصر دين الله تعالى بكل ما أوتي من قوة، فقال:

يا خاتم الرّسل إن لم تخش بادرتي ... على أعاديك، غالتني إذا غول

والنّصر باليد منّي واللّسان معا ... ومن لوى عنك جيدا فهو مخذول

وساعدي- وهو لا يلوي به خور ... على القنا في اتّباع الحقّ- مفتول

وكأن في نفس الشاعر شيئا مما يرى حوله، وقد اصطرع المسلمون فيما بينهم، واختلفوا في أمر عقيدتهم، وانقسموا إلى أحزاب وملل، وحاد قسم منهم عن الحق، فهو يعاهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الجهاد إلى أن يعود الحق إلى مكانه.

وقد أجاد الأبيوردي معارضة كعب، فأخذ روح القصيدة، ولم يتبع جزئياتها، فجاءت أصيلة مبدعة، تعبر عن نفسه، وتوضح مكنوناتها، ربط فيها بين حبه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين ما يستشعره اتجاه ما يجري في عصره، وإن ظلت في أسلوبها وصياغتها تضارع قصيدة كعب، وترتد إلى عصرها.

وكان في مدحه للنبي الكريم متحفظا، فترسم معاني كعب التقليدية، وذكر فضل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الناس، وهدايته لهم، بعد أن كانوا في غيهم يعمهون.


(١) مرهوم: أصابته الرهمة، وهي المطرة الساكنة.

<<  <   >  >>