للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعارض الزمخشري «١» قصيدة كعب أيضا وابتدأ مثل الأربيوردي بذكر البرق الذي يذكي الشوق، وتوقف عند أطلال المحبوبة، لكنه لم يتسع في وقوفه وغزله، واكتفى منهما بجلاء مشاعره الدينية التي يكنّها للأماكن المقدّسة، وانتقل بعدها إلى شيء من الحكمة الممزوجة بتوجهه الديني، فهو من المعتزلة الذين يعلون شأن العقل، ويطلبون إعماله في العقيدة لذلك نراه يقول في مقدمة قصيدته:

والفعل أرضاه عند الله أعرفه ... وما تناكره الألباب مرذول

والحقّ فالحقّ ما جاء الرّسول به ... سيف على هام أهل الشّرك مسلول

الفضل فضل نبيّ من بني مضر ... إليه أفضل خلق الله مفضول

محمّد إن تصف أدنى خصائصه ... فيا لها قصّة في شرحها طول «٢»

لقد جعل الزمخشري من الحديث المقتضب عن العقيدة مدخلا إلى مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمزج مزجا موفقا بين القيم التقليدية وبين القيم الدينية، وبعد أن أكّد أن الرسول فوق جميع البشر، وأنه لا يحاط بأدنى خصائصه، عاد ليؤكد نبوته صلّى الله عليه وسلّم ويأتي بشيء يسير من سيرته، وكأنه بذلك يردّ على من أخذ عليه اعتزاله، وأن المعتزلة يشكّون بنبوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:

هو الذي إن يخالج في نبوّته ... ريب فما القول بالتّوحيد مقبول

هو الذي وعد الرّحمن ناصره ... نصرا عزيزا ووعد الله مفعول

ملك الأكاسرة الممنوع غادره ... والتّاج منعقر والعرش مفلول


(١) الزمخشري: محمود بن عمر بن أحمد الخوارزمي، جار الله، من أئمة العلم بالدين والتفسير واللغة والأدب، جاور بمكة وتنقل في البلاد، كان معتزليا، له كتب عدة منها «الكشاف» في تفسير القرآن «وأساس البلاغة» ، (توفي سنة ٥٣٨ هـ) . ابن خلكان: وفيات الأعيان ٥/ ١٦٨.
(٢) المجموعة النبهانية ٣/ ٣٣.

<<  <   >  >>