الجدى إنما هو شيء من آيين «١» الموائد الرّفيعة، وإنما جعل كالقافية وكالخاتمة وكالعلامة لليسر والفراغ، ولم يحضر للتفريق والتخريب، وأن أهله لو أرادوا به سوءا لقدّموه لتقع الحدّة به؛ ولذلك قال أبو الحارث جمّيز «٢» حين رآه لا يمسّ: هذا المدفوع عنه.
ولقد كانوا يتحامون بيضة البقيلة «٣» ، ويدعها كلّ واحد لصاحبه، وأنت اليوم إذا أردت أن تمتّع عينيك بنظرة واحدة منها ومن بيضة السّلّاءة «٤» لم تقدر على ذلك.
وكان يقول: الآدام أعداء الخبز، وأعداها له المالح؛ فلولا أن الله أعان عليها بالماء وطلب آكله له لأتى على الحرث والنّسل.
وكان يقول: ما بال الرجل إذا قال: اسقني ماء أتاه بقلّة على قدر الرّيّ «٥» أو أصغر، وإذا قال؛ أطعمني شيئا أو هات لفلان طعاما، أتاه من الخبز بما يفضل عن الجماعة، والطعام والشّراب أخوان. أما إنه لولا رخص الماء وغلاء الخبز لما كلبوا «٦» على الخبز وزهدوا في الماء؛ والناس أشدّ شيء تعظيما للمأكول إذا كثر ثمنه وكان قليلا في منبته وعنصره. هذا الجزر الصافي والباقلاء الأخضر أطيب من كمّثرى خراسان والموز البستاني، وهذا