نأتي بعد ذلك إلى عبد مناف وكان رجلاً إبراهيمياً، يعني: على دين الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وهذه السلالة المصطفاة كما جاء في الحديث الصحيح:(إن الله اصطفى من خلقه آدم، واصطفى من ولد آدم إبراهيم، واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني عبد مناف، واصطفى من بني عبد مناف هاشماً، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار) صلى الله عليه وسلم، فهي سلالة عريقة.
وكانت مفاتيح الكعبة عند خزاعة، وكان زعيم قبيلة خزاعة سكيراً، فسكر مرة، فجاءه عبد مناف وقال له: أتبيعني مفاتيح الكعبة بزق من الخمر؟ قال له: نعم، فأحضر له زجاجتين من خمر، وأخذ منه مفاتيح الكعبة، وظلت في أيديهم إلى الآن كما وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم.
أقول: إن العرب كانوا أفضل الناس لتلقي الرسالة؛ لأن العرب رغم ما ترى فيهم الآن من شرور؛ لبعدهم عن الإسلام، إلا أنه لا تصلح العرب إلا بنبوة ورسالة، فأنت ترى الشخص منهم منهمكاً في الشهوات، وفجأة عندما يعرف الالتزام ويعرف المسجد تلقى صوته منخفضاً، وتراه مؤدباً ومطيعاً لأبيه وأمه.
إذاً: العرب كانوا أنفع الناس وأجدر الناس بالرسالة، ولذلك هي دعوة الخليل إبراهيم:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي}[البقرة:١٢٤] إلى أن قال: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}[البقرة:١٢٧ - ١٢٨] أي: الأمة العربية، {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[البقرة:١٢٨ - ١٢٩].
وقال تعالى:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ}[الحج:٧٨]، فسدينا إبراهيم سمانا مسلمين.