والحسن البصري أول ما شرب من ماء زمزم اقترب مريدوه منه وقالوا له:(ماء زمزم لما شرب له)، فأنت شربته بأي نية؟ وأنا أنوي أن بنت ابنتي شعرها يصلح، وغيرها من الدعوات الغريبة، وقبل الامتحانات الأمهات والآباء يبعثون لنا بالرسائل، فأجد على المكتب ستين أو سبعين ورقة، فيها جداول الامتحان، وهذا يريد قراءة يس وهذا آية الكرسي وهذا غيرها، ولو أن الولد ذاكر جيداً واتقيت الله فيه وأكلته الحلال فربنا سيأخذ بيده.
فـ الحسن البصري قال: شربت ماء زمزم بنية أن يرويني يوم العطش الأكبر.
فالنية نية كبيرة ضخمة واسعة.
وسيدنا عمر جلس مع الصحابة وقال: ليتمنى كل واحد منكم أمنية، والصحابة كانوا صرحاء، ونحن لا نعرف هذه الصراحة، ولو كنا صرحاء لقال الذي لا يعمل: أتمنى أن يعمل، والذي ليس عنده شقة أن يجد شقة، والذي لم يتزوج أن يتزوج، والذي ليس عنده ولد أن يرزقه ولداً، وأما الصحابة فأول واحد قال: أتمنى جبلاً كجبل أحد ذهباً؛ لأنفقه في سبيل الله تعالى، والذي بعده قال: أريد وادياً كوادي عوف - وهو واد كبير وواسع جداً - مليء بالخيل أغزو بها في سبيل الله تعالى، وعلى هذه الوتيرة بقيت الأماني تقال، فلما جاء الدور على أمير المؤمنين، قالوا: وأنت يا أمير المؤمنين! ما هي أمنيتك؟ فتبسم وقال: أتمنى مسجداً مثل هذا المسجد مليئاً برجال من أمثال أبي بكر الصديق.
وبالله عليك هل سمعت عن أمنية مثل هذه، ولو طلبت من كل مصري من الإسكندرية إلى أسوان أن يقول لك أمنيته لوجدتها أمنية خائبة، والمصيبة أنك تحدد على الله، والتحديد حرام، كأن تقول: نجح ابني فقط ولن أطلب شيئاً آخر، فإذا نجح ابنك ثم جاءت لك مصيبة بعد ذلك؟ فلماذا لا تدعو بأن ينجح لك ابنك ويكرمه ويوفقه ويبعده عن الشر؟ وهل خزائن الله تنفذ؟ فلماذا لا تطلب من الكريم وهو القائل:(إن من عبادي من لو جاء إلى باب أحدكم طلب منه سوطاً لمنعه، ولو طلب مني الجنة لأعطيتها له).
يعني: كأن يقول لشخص: أعطني شلناً أو عشرة فيقول له: لا يوجد، ولو قال لربه: أعطني الجنة لأعطاها له.
ومثل أبي نواس لما جاء فقير، فقال له: أعطني، قال: يا أم عبد الله! - زوجته - قالت: نعم، قال: أعطي السائل درهماً، قالت له: ليس عندنا دراهم، قال لها: أعطيه رغيفاً، قالت: ما عندنا أرغفة، فسكت أبو نواس إذ لا يوجد لا قرش ولا رغيف، فقال: السائل: كوب ماء، قال لها: أعطيه كوب ماء، قالت: ما عندنا ماء، فـ أبو نواس نظر إلى الرجل وقال له: انصرف يا فاجر! يا خاسر! يا منافق! فقال له: تمنعني وتشتمني! قال: أردت أن تنصرف مأجوراً أي: ما دام أنك لم تأخذ شيئاً من عندنا، أفلا تأخذ كلمتين في جنبيك تصبر عليهما توضع لك في ميزان الحسنات.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرقق قلوبنا، وأن يشرح صدورنا، وأن يغفر زلتنا، وأن يغسل حوبتنا، إن ربنا على ما يشاء قدير.