[ذكر ما يتعلق بالرؤيا من أحكام]
فمن الواجب أن يراعي العالم حالة من يسأل: دخل رجل على ابن سيرين رحمه الله فقال له: يا ابن سيرين! رأيت في الرؤيا أنني أؤذن، قال: سوف تحج هذا العام إن شاء الله.
فخرج ودخل شخص آخر فقال: يا ابن سيرين! رأيت في الرؤيا أنني أؤذن، قال له: سوف تتهم بسرقة.
فقيل له: هي رؤيا واحدة، فما معنى هذا؟ فقال: رأيت على الأول سمات الصلاح ففسرتها بقوله عز وجل: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:٢٧]، أما الثاني فلم أرَ عليه سمات الصلاح، ففسرت ذلك بقوله تعالى: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف:٧٠].
إذاً: الرؤيا واحدة، ولكن اختلفت التأويلات والتفسيرات.
ذهب رجل إلى أبي حنيفة وقال له: يا أبا حنيفة! رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، قال: وكيف رأيته؟ قال: رأيته عرياناً فغطيته، قال: ليتك ما غطيته، قال له: لماذا؟ قال: لقد غطيته حقيقة.
فمات الرجل منتحراً.
فهذا الرجل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم عرياناً، فمن باب أولى عندما ترى الرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤيا عرياناً تغطيه.
ويذكر أن سيدنا أبا حنيفة وعمره إحدى عشرة سنة رأى رؤيا، رأى أنه ينبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام مذعوراً خائفاً، فذهب إلى أستاذه حماد، فقال له: رأيت في الرؤيا أني أنبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: أبشر يا أبا حنيفة! سوف تنقب عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فتعلمها للناس.
فليس كل من هب ودب يفسر الرؤيا، ومن الناس من يدعي أن رؤيا السمك في المنام همٌ والبلح غم ونحو ذلك، فمن الذي أتى بهذا الكلام أساساً؟! فالذي يفسر الرؤيا لابد أن يكون حافظاً لكتاب الله، وعنده علم التنزيل، إذ إن علم التنزيل علم خاص لا يتضمن علوم القراءات فقط، بل فيه الناسخ والمنسوخ والمتشابه والمكي والمدني ومن ثم ترتيب الآيات والتنجيم في القرآن، أي: نزول القرآن مفرقاً، كل هذا اسمه علوم التنزيل، فعلوم التنزيل علم خاص بكتاب الله عز وجل، ولابد للذي يفسر الرؤيا أن يكون كذلك.
وليس كل رؤيا تراها؛ لأن هناك رؤيا وهناك حلماً، وهناك كابوساً، والرؤيا من الرحمن، ولابد أن أكون نائماً وأنا متوضئ وعلى طهارة وعلى ذكر، وخالي الذهن من الموضوع الذي رأيته إلا الاستخارة، أي: رؤيا خير تبشرني بالخير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة).
والحلم ما كان مرتبطاً بتفكيرك، كأن تكون منتظراً بعثة أو عريساً لابنتك، أو منتظراً نقوداً أو بيعةً معينة أو ثروةً معينة، فتكون مشغولاً بذلك، هذا الانشغال تراه في منامك، وهذا يسمى حلماً وليس رؤيا؛ لأنه موافق لتفكيرك ولوضعك قبل النوم.
وهناك شيء في منام الإنسان يسمى الكابوس، فقد تكون نائماً على طهارة وخير وبركة وذكر، ولكن هناك شيء يرعبك، كأن يكون البيت سقط عليك، أو المخبر يدق الباب، أو صاحب الضرائب قابلك وسلم عليك وابتسم ابتسامة صفراء، أو يكون عندك خمسة أولاد ونظرت في الرؤيا فوجدت زوجتك حاملاً، هناك أناس يخافون من هذا مع أن هذا خير وبركة.
فالكابوس أو الرؤيا المزعجة لا تحكيها لأحد، وينبغي لك حين تقوم أن تتفل على يسارك ثلاثاً، أي: تنفخ وليس المعنى: تبصق، ثم تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، هذا في الرؤية المزعجة، ولا تكن كلما قابلت واحداً تقول له: أنا رأيت رؤيا مزعجة، لكن لا أريد أن أحكيها، بل لابد أن تنساها، وما قدره الله سوف يكون، سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم كان كلما صلى مع الصحابة الصبح يقول: (أيكم رأى رؤيا) فمن حظ الصحابة أنهم أول ما تقع أعينهم على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما وقعت العينان على رؤية وجهه صلى الله عليه وسلم إلا وفرحت، وانشرح صدر من يراه، وما رآه الحزين إلا وسر صلى الله عليه وسلم.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في غزوة أحد: (رأيت كأن في سيفي ثلمة -أي: كأن في سيفي مكاناً مكسوراً أو مخدوشاً- وكأنني أدخلت يدي في درع حصينة، وكأن بقراً تذبح بين يدي، وكان أبو بكر جالساً فقال: أتأذن لي في تأويلها يا رسول الله؟! قال: أول يا أبا بكر! قال له: أما الثلمة فرجل من آل بيتك يقتل، وأما الدرع الحصينة فعودتك سالماً إلى المدينة بإذن الله، وأما البقر التي تذبح فقتلانا وقتلاهم، قال: هكذا نزل علي جبريل بتأويلها يا أبا بكر!).
وهذا دليل على فضل أبي بكر رضي الله عنه، فقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما سبقكم أبو بكر بصلاة ولا صيام ولا زكاة، ولكن سبقكم بشيء وقر في قلبه).