[منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواضعه]
يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (بشر هذه الأمة بالثناء والرفعة والتمكين في الأرض والنصر على الأعداء).
صدقت يا رسول الله، فالأمة مبشرة من المعصوم صلى الله عليه وسلم برغم ما يحدث من سلبيات، أو من قصور، أو من تقاعس، أو من بعض الانحرافات أو من بعض التجاوزات من كثير منا وكثيرات، لكن رغم ذلك يبشرنا الحبيب المصطفى بالثناء والذكر الحسن من رب الأرض والسماء، وما دام ربنا يثني فظن خيراً ولا تسأل عن الخبث، وفي القرآن أثنى الله على خير أمة فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠].
فالخيرية كل الخيرية في هذه الأمة، وقد وضحها لنا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس -رضوان الله عليه- فيما يروي عن الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم، عندما تلقى موسى الألواح فوق الجبل وموسى عليه السلام هو الوحيد من الرسل الذي تلقى أوامر الله بدون وحي، فهو الكليم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤].
ولذلك ما احتمل سيدنا أبو بكر الرجل اليهودي الذي حلف وهو يتناقش معه بقوله: والذي اصطفى موسى على العالمين أن ما أقوله حق، فضرب الرجل وقال: إن الله اصطفى محمداً، فذهب أبو بكر يقص قصته على رسول الله لينظر ما يقول صلى الله عليه وسلم.
وهنا يتجلى خلق التواضع لسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، وإلا فكل الدلائل تشير إلى أن اصطفاء خير البشر كان لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام؛ لكنه يقول بكل تواضع، (لا تفضلوني على موسى بن عمران، ولا على يونس بن متى)، فلو قيل: موسى كليم، لكن سيدنا يونس لم يذكر كثيراً مثل سيدنا موسى عليهم الصلاة والسلام.
ثم يقول: (ما كنت ليلة المعراج أقرب إلى ربي من يونس وهو في بطن الحوت أقرب إلى ربه، وأول من ينشق عنه القبر يوم القيامة نبيكم ولا فخر).
الحبيب يقول لـ أبي بكر: (أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة نبيكم، فيجد عند القبر جبريل، فيكون أول ما يسأله: كيف حال أمتي يا جبريل؟ فيقول: بخير حال يا رسول الله، ثم يسأله: وكيف حال الحسن والحسين وفاطمة) وذلك حناناً منه صلى الله عليه وسلم، ولذلك لو سمعت من يتكلف لك بالمسائل الصعبة فافتح أي كتاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تجد فيه أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما.
فأول من ينشق عنه القبر يوم القيامة نبيكم ولا فخر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (فأجد موسى منبطحاً تحت العرش آخذاً بقوائمه، فلا أدري أصعق فيمن صعق أم كفته الصعقة الأولى).
ومع ما أوتيه صلى الله عليه وسلم من العلم يقول: أنا لا أعرف هل اكتفى الله بأنه صعقه مرة واحدة يوم قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف:١٤٣].