والافتقار إلى الله والتذلل بين يديه شأن النبي صلى الله عليه وسلم، فها هو في بدر بعد أن صف الصفوف ظل يدعو ويلح في الدعاء بكل انسكار وافتقار:(اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد اليوم في الأرض) فيقول أبو بكر: يا رسول الله! هون على نفسك فإن الله منجز لك ما وعد، وتقع العباءة من على كتفيه الشريفتين ويعيدها أبو بكر ويرفع يديه ويجلس في التشهد، فيراه أبو بكر يتبسم وهو يقرأ التشهد، فلما سلم قال له أبو بكر: خيراً يا رسول الله، لقد رأيتك تتبسم، قال: مر أخي جبريل من أمامي ومعه ثلاثة آلاف من الملائكة مسومين فألقى علي السلام فتبسمت.
دعا الله عز وجل فأنزل الملائكة مباشرة لمؤازرته ونصره، وكان الكفار ينظرون إلى المسلمين وقلتهم بالنسبة لعدد الكفار، فالحساب المادي يذكر أن النسبة بينهم ثلاثة على واحد، فالكفار ألف وهؤلاء ثلاثمائة مع فارق شاسع، لكن الله جعل المشركين ينظرون إلى المسلمين فيرونهم كثيرين، أي: كثرهم الله في أعينهم.
وجعل المسلمين كذلك ينظرون إلى المشركين فيجدونهم قلة، ثم ينزل الله المطر في أرض معركة بدر ليثبت الرمال من تحت أقدام المسلمين وتتزحلق الأرض من تحت أقدام المشركين، وهذه أرض وهذه أرض وهو مطر واحد؛ إلا أن الأمر بيد الواحد، فالله عز وجل عندما يمكر بمن يستحق المكر فإنما يقول للشيء كن فيكون، سبحانه!