[الطريق إلى محبة الله لك ومحبة الناس]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده.
وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه هي الحلقة الخامسة والعشرون من حلقاتنا في السيرة النبوية العطرة، على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات.
وهذا هو الدرس الأخير في شهر شعبان، وهكذا الدنيا تمضي.
وهذه الحلقة الخامسة والعشرون لعلها تكون مسك الختام في مسألة الصلاة، وندعو الله عز وجل أن يجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً، اللهم فك الكرب عن المكروبين، وسد الدين عن المدينين، واقض حوائجنا وحوائج المحتاجين.
اللهم فك عنا الكرب الخاص والعام، اللهم اكشف كروبنا، واشرح صدورنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً في طريقنا إلا أبعدته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته يا أكرم الأكرمين.
اللهم اغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ما ترك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً إلا وبينه وشرحه لأمته وحضهم عليه، وما ترك شراً يحيط بالأمة إلا وضحه وبينه وحذر المسلمين منه، فكان يقول فيما يقول صلى الله عليه وسلم: (من زهد في الدنيا أحبه الله، ومن زهد فيما في أيدي الناس أحبه الناس).
آخر منتهى الآمال في الحياة أن يحبك الله وأن يحبك الناس، وهذه غاية لا يكون الوصول إليها بسهولة، فكيف أبقى محموداً عند الله وعند الناس؟ يجب أن تعرف أولاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الغر الميامين رضوان الله عليهم جميعاً كانوا زاهدين في الدنيا، لأنه كما يقول العلماء: اشتغالك فيما هو مضمون لك -الذي هو الرزق- وتقصيرك عما هو مطلوب منك -الذي هو العمل- دليل على انطماس البصيرة فيك.
أي: أن تعمل ليل نهار للشيء المضمون، وتنام ليل نهار عن الشيء المطلوب، هذا دليل على أنك مطموس البصيرة والعياذ بالله، لكن مضاء البصيرة مشتغل فيما هو مطلوب منه، ومتوكل بما هو مضمون له.
يقول سيدنا عيسى عليه السلام: يا ابن آدم! إن كان الغد من أجلك فسوف يأتيك فيه رزق -يعني: إن كان غداً من أجلك فرزقك مضمون- وإن كان الغد ليس من أجلك فلا تشغلن نفسك برزق غيرك، فإن من رزقك سوف يرزقهم.
وتجد أغلب الناس اليوم يعمل صباح مساء قائلاً: أؤمن أولادي، والصواب: أن الذي يريد أن يؤمن مستقبل أولاده، فليؤمنهم بالتقوى، وبالرصيد الإيماني، وبأن يربيهم على طاعة الله، فعندما يموت لا يأكل الأولاد حراماً، وأنا أضمن مائة في المائة أنه ما دام الأولاد لم يأكلوا حراماً فإن ربهم سوف يبارك لهم ويرزقهم.
فإن قلت: الولد لا يصلي؛ فالسبب أنك تؤكله حراماً، أو قلت: الولد يعصيني؛ فهذا لأنك عققت أباك قبل هذا، وإن كان الولد يشتم أمه؛ فلأنك شتمت أمك قبل هذا، وأمه -التي هي امرأتك- كانت تتأفف من أمها قبل هذا.
وهكذا، فكما تدين تدان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اعمل ما شئت، كما تدين تدان)، هذا كلام الحبيب عليه الصلاة والسلام.
يعني: الذي سوف تزرعه سيأتيك ولو بعد أربعين أو خمسين أو سبعين سنة، فالذي عملته في أبيك وأمك سوف يعمل فيك، والذي عملته من خير في الناس، فأنت عندما تكبر سيعمل فيك نفس الخير، وعندما تقوم للرجل الكبير السن من مجلسك، وتهدئ السيارة من أجل الرجل العجوز أن يمشي، فسيقيض الله لك من يصنع معك هذا وأكثر؛ لأن البر عند الله لا يبلى، فأنت قدم لنفسك خيراً فقط، وستجازى عليه عاجلاً أو آجلاً، فقبل أن تدخل في حفرة مظلمة وحيداً، نورها الآن بأعمال الخير، وستنير لك هناك إن شاء الله.
اللهم أنر لنا مستقبلنا في القبر وعلى الصراط يا رب العالمين.
وما معنى: أن ينور الله لنا قبرنا؟ يجب أن تعلم أنه من رحمة الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل جلَّ عذاب أمته في القبر، يعني: مجموعة من ذنوبك تتخلص منها وأنت في القبر، وهذا من كرم الله لنا، أي: أن نخرج من القبور ونكون قد تخلصنا من ٩٥% من الذي علينا، ويفضل قليل، والخمسة في المائة هذه عبارة عن حقوق عباد، وربنا يغري الذي ظلمته فيقول له: أتريد حقك منه؟ يقول: نعم، أريد حقي، فما هو حقك؟ فيقول: هذا باع لي شيئاً وغشني فيه، بكم جنيه؟ فيقول: بألف جنيه مثلاً، فكم سيأخذ من ثوابك مقابل الألف جنيه؟ ننظر: الألف جنيه هذه فيها مليون مليم، إذا قسمناها على اثنين سيكون الناتج نصف مليون، يقول العلماء في تفسير الحديث: (من أخذ من حق أخيه دانقاً)، الدانق: هو مليمان، فسيأخذ صاحب الحق مقابل الاثنين ثواب سبعمائة صلاة مكتوبة مفروضة مقبولة، وسوف يبقى نصف مليون، ستكون بثلاثمائة وخمسين مليوناً، وأنت لم تصل الصلاة هذه كلها، وصلاتك نفسها مشكوك في أمرها، إلا ما كان صلاة الجماعة، قيل لـ أبي موسى: يا أبا موسى الأشعري! ماذا تحب؟ قال: أحب صلاة الجماعة، أضمن ثوابها وأكفى سهوها.
يعني: حتى إن سهوت فيها فهي مقبولة، فصلاة الإمام تجبر صلاة المأمومين كلهم، وإذا كانت صلاة الإمام والمأمومين كلها سواء لا قيمة لها رغم هذا يفخر بنا ربنا أمام الملائكة، رغم أن قلوبنا هواء، فيقول: (يا ملائكتي! أرأيتم عبادي وقد اصطفوا يصلون من أجلي، ويسبحون كما تفعلون، أشهدكم أني قبلت صلاتهم وغفرت ذنوبهم، ورضيت عنهم)، وهذا من فضل صلاة الجماعة.
لكن لو صليت لوحدي، فالأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس لابن آدم من صلاته إلا ما عقل منها)، أي: لا يؤجر إلا على ما وعى منها، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:٤ - ٥].