[تجارة الرسول في مال خديجة]
ولما كان عمر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، أرسلت السيدة خديجة إليه لكي يتاجر لها في تجارته، وذهب أبو طالب إليها وقال: يا خديجة! بلغني أنك تعطين أجيرك بكرين يعني: جملين، وإني أطلب لابن أخي أربعة.
قالت: يا أبا طالب! أنت كبيرنا وزعيمنا وعظيم قريش، فلو جئت لتطلب هذا في بعيد بغيض، أي: لو أن رجلاً ليس بيننا وبينه قرابة ونكرهه، فما بالك وأنت جئت في قريب حبيب؟! فلمح أبو طالب هذه الكلمة، وقال بلسان الحال: ما الذي جعلها تتكلم بهذه اللهجة؟ قيل إن ابن عباس لما دخل على إحدى الصحابيات يعزيها في زوجها فقال: إذا كان زوجك قد مات، فإن زوجتي قد ماتت، قالت: عجباً يا ابن عباس! أتخطبني في عدتي؟ قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (كل أرض يذكر فيها اسم الله تتيه على بقية الأراضي بجوارها).
والمسلم عندما يموت يبكي عليه مكانان: موضع سجوده في الأرض ومصعد عمله في السماء، وهناك أناس لا يقفل عملهم بعد الموت، فلا يغلق مصعد العمل بعد الموت، فالذي عمل صدقة جارية، أو لديه علم ينتفع به، أو له ولد صالح يدعو له، أو عمل خيراً في الناس، أو سن في الإسلام سنة حسنة، أو بنى مسجداً، أو بنى معهداً علمياً، أو ساعد في بناء مستشفى، أو زرع نخلة، أو كل ما يستظل به من الناس والطيور والحيوانات، أو عمل سبيل ماء للناس ليشربوا منه، فما يفعل من خير سوف يصعد، ولذلك يقول ربنا: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:٥].
أي: ما قدمته في الحياة الدنيا وما أخرته بعد الموت، فهذه الآية تدل على أن العمل لا يوقف، اللهم اجعلنا من أهل الخير يا رب العالمين! فالسيدة خديجة وافقت على ما قاله أبو طالب، فتاجر الرسول ببضاعتها إلى بلاد الشام، فبيعت كل قوافل قريش إلا البضاعة التي للسيدة خديجة فإنها لم تبع، فبقي يومان على رحيل القافلة، وكان ميسرة وهو غلام خديجة حزيناً؛ لأن التجارة بارت وستخسر، فشاء الله أن تصاب المزروعات في الشام بمرض وإذا بقافلة السيدة خديجة تشتري بأغلى الأثمان، وهذا من بركة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
جاء إلي رجل وقال لي: إنه سيفصل من وظيفته، وسيراقب من قبل أجهزة الأمن.
قلت له: إذا أراد الله شيئاً كان، فثق بالله وتوضأ وصل ركعتين خالصاً لوجه الله، واقرأ ياسين بنية قضاء الحاجة، واخلص لله في الدعاء، ففعل ذلك، ففي ذلك اليوم حدثت أحداث في الأمن المركزي، وحصل تغيير في الدولة كلها، وإذا بالرجل قد ترقى في وظيفته، وكان كلما يقابلني يقول: ليس لنا سوى الله.
فباع النبي صلى الله عليه وسلم تجارة السيدة خديجة ضعف ما كان ميسرة يأخذ البضاعة، وكان ميسرة ينظر إلى سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم وغصن الشجرة يتدلى إليه، وكان يمشي معه والسحابة تظلل الحبيب المصطفى ولا تظلل ميسرة، وكلما ينظر إليه يرى وجهه منوراً، إلى أن عادا إلى مكة، وظل هكذا ثلاث سنوات وهو يتاجر للسيدة خديجة.
وقد حصلت حادثة لـ خديجة ولها من العمر عشرون سنة، كانت جالسة مع نساء من قريش، فمر من أمامهن حبر من أحبار اليهود زار مكة للتجارة، فلقى هؤلاء النسوة قاعدات، فقال: يا معشر نساء قريش! النبي الخاتم سوف يكون من هنا، فيا سعادة من تزوجته، فحصبنه بالحصى، وذلك من حياء العذارى، فقد كانت البنت في زمن الجاهلية تستحي، وتصوب نظرها إلى الأرض، وبالذات عندما تخبر بخبر الزواج، فتستحي وتجري إلى خدرها؛ لأن هذا الكلام عيب عندها، أما الآن فإن البنت تقعد وتضع رجلاً على رجل وتقول: لكن هذا الرجل لا يعجبني.
والذي عنده حياء عنده دين، والذي ليس عنده دين ليس عنده حياء، فإن الحياء من الإيمان، فمن لا حياء عنده لا إيمان له، قالوا: إذا لم تستح فاعمل الذي يعجبك.
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل أي: ما دام أن المرء لا يدنس عرضه بالكلام السيئ فأي رداء يلبسه فهو جميل، ففي ذلك الزمان كان يوجد حياء العذارى، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الثيب تستأمر، والبكر تستأذن)، يعني: الدليل على أن البنت موافقة على الزواج إذا سكتت، فالسكوت علامة الرضا، ولو كانت معترضة فإنها ستقول: لا، ولذلك قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (استأمروا نساءكم في شأن بناتهن) يعني: لست أنت الذي تكلم البنت: ما رأيك في فلان؟ بل اجعل أمها هي التي تقول لها ذلك؛ لأن سرها يكون مع الأم.
أما قولهم: شاوروهن وخالفوهن، فليس هذا من الدين، فلو كان هذا القول صحيحاً فإن فيه تضييع الوقت، فينبغي للمسلم أن يشاور زوجته في أي أمر، فيقول لها: سنعمل كذا ولن نعمل كذا، وعلى المسلم أن يعرف أخلاق زوجته، فإذا كانت تغضب من بعض الأمور فلا يشاورها؛ لأن المشورة سيكون نهايتها لا تحمد.
وأقول للنساء: لا تكرهن أزواجكن في أهلهم، وأقول للرجال: لا تكرهوا زوجاتكم في أهاليهن.
ومن ضمن حقوق زوجتك عليك: أنك لا تمنع زوجتك أن تذهب كل جمعة على الأقل إلى أبويها ما داما أنهما في نفس البلد، ولا تحلف على منعها من ذلك، لا تحلف على ما أحل ولا تحرم ما أحل الله.
فالسيدة خديجة تذكرت هذه الحادثة، وكانت من قبل قد تزوجت من رجلين: رجل مات ولم تنجب منه، والرجل الآخر أنجبت منه هند بن أبي هالة، فبعثت إلى رسول الله صاحبتها نفيسة أو نُفيسة أما نِفيْسة فلا يوجد هذا الاسم في قواميس اللغة العربية، يقال: الشيء النفيس، وهو النادر الغالي الثمين، وليس النِّفيس.
فقالت نفيسة: ألك في الزواج يا محمد؟! وأخذ الفقهاء من هذا: أن المرأة الصالحة تخطب لنفسها إذا كان الرجل فيه صلاح وتقوى.
وبعض الناس يفتح مع زوجته صفحات سوداء في كل يوم، بل الواجب عليه أن يعمق المحبة بينه وبينها فإنها تأتي بالود، وتأتي من الكلام الطيب.
قالت لي امرأة متبرجة أنها كانت تتكسب بالحرام، وقد سمعت مني حديثاً كان هو سبب الهداية، وهو أن السيدة عائشة كانت واقفة والحبيب صلى الله عليه وسلم واضع ذراعه على باب حجرة السيدة عائشة وساتر السيدة عائشة بكمه وهي واضعه ذقنها على ذراع الحبيب وتنظر إلى الأحباش وهم يلعبون في المسجد، وكان يقول لها: هل اكتفيت يا عائشة؟ فتقول: انتظر يا رسول الله قليلاً، وكان يكرر عليها: هل اكتفيت؟ فتقول: انتظر يا حبيب الله، فهذا يدل على حنان رسول الله، فالمرأة هذه قالت: جلست أقارن بين حنان الرسول وفضاضة زوجي، وقلت: الإسلام عظيم جداً، وأنا غلطانة أني ما تزوجت رجلاً متديناً، وكان هذا سبب هدايتها، واستقامت على طريق الله، فاللهم اهدنا جميعاً يا رب.
فهذه القصة الصغيرة تنبئ عن حنان الحبيب ورحمته، فعلى المسلم أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخلق العظيم فيتعامل مع زوجته برفق وحنان، فإن ذلك سبب في تساقط ذنوبهما كما يتساقط ورق الشجر في اليوم الشاتي، فالزوج يصافح زوجته ويمد يده إليها وإن رفضت أن تمد يدها، فالرجل يكون ودوداً، صاحب القلب الكبير، يدخل عليها بوجه طلق.