[العمل على البناء في الأمة وتدارك الهدم]
أما أن أهدم وغيري يهدم فإن الجيل القادم لا يجد سوى الخراب، ومعلوم أن الجيل الماضي سلم لنا الراية منكسة، -أقصد جيل العشرينات والثلاثينات- مع أنه جيل جيد لكن كان محكوماً عليه وكان معذوراً بما وصل إليه، فقد كان هناك استعمار أجنبي، وتفريق دويلات ترزأ به الأمة، إلى أن وصل الحال أن بعثوا سنة تسعة عشر إلى السيدة التي تسمى: رائدة العمل المثالي في مصر، هدى الشعراوي وإلى امرأة أخرى على شاكلتها، اسمها نشيزة النبراوي من أجل أن تحضرا مؤتمر التنظيم النسائي العالمي، وطلبوا منهن بعد العودة إلى مصر أن يشكلن تنظيماً مثل هذا.
فرجعت هدى الشعراوي للأسف الشديد وأقامت مجلة أسمتها: مجلة السفور، فحذار منها، وتلتها جماعة من الشام للأسف ومن لبنان، وتبعهم في النهج مروان النقاش ويعقوب طنوح فأقاموا المسرح، وتبعهم السيد يوسف سنة ثلاث وثمانين وأقام مسرح رمسيس، وبدأ العالم العربي ينساق باتجاه الفن والحضارة الأوروبية، وتربى بعض الناس في الغرب منهم طه حسين وأحمد لطفي السيد ومحمد حسين هيكل وحمزة الشيخ ورفاعة الطهطاوي الأزهري، ومحمد عبده وقليل من هذه الفرقة رجعوا ونقلوا لنا الحضارة الغربية تحت عنوان الدين، ناقلين ما ليس في الحضارة الغربية من خير، بل جاءوا بالشر الذي فيها.
فصار الجيل السابق متأثراً جداً بهؤلاء الذين سموا بالعباقرة أو العمالقة، وأكاد أجزم أن أوروبا لن تستطع أن تخدمها فكرة عدو للإسلام أكثر مما خدمها رجل كـ طه حسين، ومما كان يقوله: الإسلام لا يصلح أن يكون ديناً في عصرنا، ناهيك عما كتبه في الشيخين، وعن منهج التعليم في الثانوية العامة يقول: أنا أجهز لهم أخطاء موجودة واضحة في كتاب الشيخين المقرر عليهم! من أجل أن يفهموا الخلفية الصحيحة للتاريخ الإسلامي؛ لأن طه حسين كان ينظر إلى التاريخ الإسلامي نظرة الغرب.
فالجيل الماضي سلم الراية منكسة، ضاعت حينها أرض فلسطين، وضاع المسجد الأقصى، وضاع روح الانتماء إلى الإسلام، ثم ابتلينا في العصر الحاضر منذ عشرين أو ثلاثين سنة بالفرق والجماعات، فهذه الجماعة تشتم تلك، وتلك الجماعة تعيب على هذه، وهذه الجماعة تضرب أفراد الجماعة الأخرى، والجماعة الأخرى لا تصلي خلف هذه، وللأسف الشديد أنه في عام واحد وثمانين في أحداث سبتمبر كانوا يصلون صلاة الفجر خمس جماعات داخل زنزانة واحدة، لأن جماعة كذا لا تصلي خلف جماعة كذا، ولعمري يريد العدوا أكثر من هذا.
وإذا تصارع أهل المحراب ألا يستولي عليه أصحاب الحانة والخمارة.
ومما يؤسف أشد الأسف أن إخواننا المسلمين في أحد مساجد واشنطن تقاتلوا مع بعضهم، وهم في أمريكا في عقر دار الصليبية العالمية، من أجل ختام الصلاة، هل هو جهر أم سر؟ وارتفعت الأصوات وكثر اللغط كعادة الصوت العربي الذي يثير الغرابة لارتفاعه وشدته، ولما سمعت الأصوات جاء الأمن الأمريكي، وبتهمة إزعاج للجيران، أصدر حاكم واشنطن أمراً بإغلاق المسجد!! فليت شعري ماذا كسبنا؟ هناك مثل عامي يقول: أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب، أليس من باب أولى أن أقول: أنا وأخي المسلم على غير المسلم، لا كما هو حاصل اليوم أن المسلم الملتزم ضد المسلم الملتزم؟! ينبغي أن نعلم أننا إخوة متحابون في الله! معلوم أن الصراع بين الحق والباطل صراع أزلي، ولذلك لما ظهرت الدعوة وأصبحت علنية، قاسى النبي وصحابته من قريش ما لم يقاس أحد، وكما يقول أهل الفلسفة: الآلام العظيمة هي التي تصنع الأحلام الكبيرة، وهو معنى قولنا سابقاً: من احترقت بدايته أشرقت نهايته.
قد يظن البعض أن الباطل ينتصر، حين يرى في المسلمين من يرتشي ويختلس، أو يفعل الفواحش والمنكرات، ولا يصاب بمكروه معجل، وهو لا يدري إن الله يملي له، ويستره المرة تلو المرة، لكنه أن أصر أخذه الله أخذ عزيز منتقم.
يذكر أن شاباً جيء به إلى عمر بن الخطاب ليقيم عليه حد السرقة، فجاءت أمه تشفع له وتقول: يا أمير المؤمنين! والله إن هذه لأول مرة يسرق فيها، أفتقطع يده، فقال عمر: والله يا أمة الله ما كان الله ليفضحه من أول مرة، ثم بعد أن أقام عمر الحد على هذا الشاب دخل علي بن أبي طالب على الشاب وقال له: أستحلفك بالله أهذه أول مرة؟ قال: والله يا علي! إن هذه المرة هي الحادية والعشرون! فربنا يملي له مرة واثنتين وثلاثاً.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تعير أخاك بالذنب فيعافيه الله ثم يبتليك)، فلو ذهبت لتزور أخاك المسلم ووجدت ابنه غير متأدب، فلا تعجل وتقول: ما هذا ألا يوجد رجال في البيت يربون هذا الابن، فلربما يرزقك الله بولد أقل منه أدباً عقوبة لك.
ولو ذهبت لتزور صاحبك فوجدت زوجته ترفع صوتها عليه وتسيء الأدب معه، فلا تقول: ما هذا أين ذهب الرجال؟ هل ماتوا أم ماذا.
فقد لا تلبث أن ترزق زوجة تعاملك بالمثل، ولذا لا ينبغي أن تعير بالذنب لأنك إن عيرت أخاك به قد لا تلبث أن تبتلي بنفس العيب.
بل إذا بلغك عن شخص سيئة فلتقل: غفر الله لنا وله، وتدعو له في ظهر الغيب، والدعاء في ظهر الغيب مستجاب، كما ثبت في الحديث كما أنك حين تدعو لأخيك المسلم بظهر الغيب يقول الملك: ولك مثل ذلك، فلو دعوت لأخيك المسلم وراء ظهره فقلت: اللهم يسر له أمره يقول الملك: ولك مثل ذلك والملائكة تؤمن على دعاؤك وهكذا لو قلت: يا رب اشف له ابنه، يقول: ولك مثل ذلك، وكذا لو قلت: اللهم اهد له زوجته، يقال: ولك مثل ذلك، ولو قلت: يا رب! ارزقه من عندك، يقال: ولك مثل ذلك، كما أنك لو دعوت عليه فقلت: يا رب! أنزل عليه مصيبة، يقال: ولك مثل ذلك، فالضد بالضد.