[ذكر الأشخاص الذين لهم تعلق بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم]
أما الأشخاص الذين لهم تعلق بميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم، فالحامل آمنة بنت وهب، وآمنة من مصدر أمن يأمن، فهي ستنجب للبشرية أمنها، وهذا حصل، فهو أمان البشرية كلها صلى الله عليه وسلم، قال الكاتب الإنجليزي برناردشو لو كان محمد بن عبد الله على قيد الحياة لحل لنا مشاكل العالم كلها ريثما صنعنا له (فنجاناً) من القهوة.
يعني: أنه صلى الله عليه وسلم خلال عشر دقائق سيحل جميع مشاكل الدنيا؛ لأنه مؤيد من ربه سبحانه وتعالى.
وعندما ولد صلى الله عليه وسلم وجدوا الحبل السري مقطوعاً، ووجدوه مختوناً، فقد نزل مطهراً مكتملاً؛ حتى لا يرى سوأته أحد صلى الله عليه وسلم.
وهذه الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف كانت قابلته، يعني: تلقته بيديها، هنيئاً لك يا شفاء يا أم عبد الرحمن فقد كان أول ما استهل على يديها، والشفاء اسمها جميل؛ لأنها تلقت الشفاء، وأضيئت الحجرة عند ولادته إلى درجة أن الشفاء أغمضت عينيها من شدة الضوء، ونزل صلى الله عليه وسلم على يديه ورجليه رافعاً رأسه إلى السماء، وتقول الشفاء: سمعت قائلاً يقول: يرحمك الله.
فهو نزل بالرحمة وهو رحمة.
وجاء عبد المطلب وحضنه، وأخذه وطاف به حول البيت سبعاً، فقيل له: ما أسميته يا عبد المطلب؟ قال: سميته محمداً، فقيل له: ما هذا الاسم الغريب يا عبد المطلب؟ قال: لكي يحمده الله في السماء ويحمده الناس في الأرض.
فهو محمد في السماء ومحمود في الأرض، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (أنا محمد وأحمد؛ والماحي الذي يمحو الله به الكفر، والحاشر الذي يحشر الناس بين يديه، والعاقب فلا نبي بعدي) صلى الله عليه وسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: (أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة أخي عيسى، ورؤيا أمي التي رأتها) فهو دعوة إبراهيم عندما قال: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} [البقرة:١٢٩].
وبشرى عيسى عندما قال: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:٦].
ورؤيا أمه، فقد رأت أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام.
لقد بحث العلماء في النسب الشريف من ناحية أبيه وجده وجد جده إلى عدنان الجد الأعلى، إلى سيدنا إبراهيم، ومن ناحية أمه آمنة بنت وهب فوجدوا أنها تلتقي مع عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم في جدهم كلاب الذي هو والد قصي بن كلاب بن مرة فـ كلاب هذا هو الجد الأعلى لـ آمنة وعبد الله، وأم السيدة آمنة من بني زهرة، وأم عبد المطلب من بني مخزوم، وأم كعب جده الأعلى من خزاعة، فهو من خير بطون العرب من جميع الاتجاهات.
والسيدة آمنة أرضعته ثلاثة أيام، وثويبة مولاة أبي لهب التي أعتقها أبو لهب فرحاً بابن أخيه يوم الإثنين، فلما أعتقها خفف الله عنه الحساب كل يوم إثنين في النار؛ إكراماً لفرحته بمقدم رسول الله، فكيف بالذي يحب الرسول صلى الله عليه وسلم محبة ليس لها نظير؟ قال سيدنا الشافعي: يا رب قلت لموسى وهارون: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه:٤٤] لمن قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤]، فماذا تصنع بمن قال: سبحان ربي الأعلى.
وجاء شخص إلى هارون الرشيد وقال له: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أكلمك وأنصحك وأغلظ عليك في النصيحة، فقال له هارون الرشيد: لا تفعل، فقد أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل موسى وهارون وهما خير منك إلى فرعون وهو شر مني، فقال لهما: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه:٤٤] فكيف تغلظ علي في النصيحة؟! وأوقف رجل عبد الملك بن مروان وهو يمشي بالموكب، فقال له الحرس: ابتعد يا رجل، فقال له: يا أمير المؤمنين إن نملة استوقفت سليمان فكلمته فكلمها، وتبسم ضاحكاً من قولها، ولست أنت عند الله أعظم من سليمان، ولست أنا عند الله أحقر من النملة.
انظروا إلى طريقة ترتيب الكلام، وتعلمون قصة الأعرابي الذي كان لا يعرف في القرآن شيئاً، لكنه لما صلى وراء الإمام وقرأ الإمام الآية وأخطأ في نهايتها، قرأ قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة:٣٨]، فقال الإمام: والله غفور رحيم، فالأعرابي الذي لا يحفظ القرآن، قال: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:٣٨] فالإمام تذكر وأكمل الآيات بعد ذلك، فبعد ذلك قال الإمام: من رد عليّ جزاه الله خيراً، قال له الأعرابي: أنا، قال له: بارك الله فيك، أتحفظ القرآن؟ قال له: لا، قال: أتحفظ هذه السورة؟ قال: لا، قال: أتحفظ هذه الآية؟ قال له: هذه أول مرة أسمعها، قال: فكيف عرفت؟ قال: يتحدث الله عن السارق والسارقة ويتحدث عن الحد وقطع اليد، ولو كان الله عز وجل غفوراً رحيماً في هذه المسألة بالذات لما حكم على السارق والسارقة بقطع اليد، لكنه لما عز في عليائه حكم على السارق بقطع اليد، فتكون نهاية الآية: ((عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) وليس غفوراً رحيماً؛ فالأعرابي يفهم اللغة بالسليقة.
يقول الجاحظ: دخلت على معلم فوجدته يعلم طفلاً: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ} [لقمان:١٣]، قال: {يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف:٥]، فقلت له: لقد أدخلت آية في آية، ما الذي جاء بيوسف إلى لقمان؟ {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان:١٣]، والشيخ يقول له: {لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ} [يوسف:٥] أدخل يوسف في لقمان، فقال الشيخ: إن أباه يدخل شهراً في شهر ولا يدفع الأجرة، وأنت تعيب علي إدخال سورة في سورة؟! فإذاً: ثويبة أرضعته بعدما أرضعته أمه ثلاثة أيام ويقال: خمسة أيام، فـ ثويبة أرضعته إلى أن جاءت حليمة، وأم أيمن من اليُمْن وهي التي حضنته، وكان عمرها ثمانين سنة، وكانت لا تترك الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج في غزوة من الغزوات إلا وخرجت معه، فكانت إذا رأت بعض الصحابة تزحزحوا قليلاً إلى الوراء، قالت: اسبتوا سبت الله أقدامكم -بالسين- كانت لا تخرج لسانها؛ لأنها كانت أعجمية لم تكن عربية، فيقول لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا أم أيمن يا أماه! ادعي الله لهم بالنصر ولا تقولي: سبت)؛ لأن السبت يعني: القيد، ولذلك يسمى اليوم الذي بعد الجمعة: السبت؛ لأن اليهود لم يكونوا يتحركون فيه، فهذا اسمه القيد.
وبعد ذلك جاءت حليمة السعدية وأخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرضعته، وأرضعت معه الحمزة عمه، وأبا سلمة المخزومي ابن عمته.
فالسيدة حليمة عندما أتت مع غيرها أخذت كل واحدة منهن ولداً وتركن اليتيم صلى الله عليه وسلم، وبقيت حليمة لم تجد ولداً لترضعه فقالت لزوجها: ما رأيك أن نأخذ هذا اليتيم، ربما يجعل لنا فيه خير، بدل أن نرجع بدون ولد، فأخذت الرضيع وما أحسن حظ حليمة فمجرد أن وضعته على الأتان، فإذا بها تسرع وتسبق الدواب، وقد كانت قبل ذلك ضعيفة؛ لأن البركة بدأت، وإذا بظلة مظللة لها ورضيعها وهم في عز الظهيرة، فقالوا: إن هذا الأمر ليس أمراً عادياً، وهم عائدون كانت أرضهم جدباء، ولم يصبحوا الصبح إلا والمطر ينزل والعشب ينبت، وكانت غنم حليمة هزيلة لا يوجد في ضرعها ولا نقطة لبن، وإذا بغنم حليمة مليئة باللبن، ثم بعد ذلك هذا الطفل اليتيم لا يبكي كما يبكي الأطفال، إنه ليس طفلاً عادياً، بل كلما نظرت إليه السيدة حليمة تجده باسماً.
فالسيدة حليمة تلحظ الخير كله في وجود هذا الطفل الهاشمي، أكمل ثلاث سنوات عندها، فجاء أخو سيدنا الحبيب من الرضاعة الذي هو ابن السيدة حليمة وقال: يا أماه جاء رجلان فأخذا محمداً فأضجعاه تحت الشجرة وشقا صدره وأخرجا منه شيئاً وغسلاه بشيء كان في الطست، ثم غادراه بعد أن أغلقا صدره وهو ممتقع اللون تحت الشجرة، فالسيدة حليمة خافت عليه فقامت بإرجاعه إلى أهله، فهذه هي حادثة شق الصدر، قال الله عز وجل: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:١].
قد يقول قائل: ماذا أخرج منه جبريل؟ لقد أخرج منه الحقد والحسد وحب الدنيا وملأه بالحكمة والإيمان، وكان من الممكن أن الله عز وجل يشرح صدره من غير شق، لكن فُعل به ذلك؛ ليُعلم أنه ليس مخلوقاً عادياً، وليس هذا فحسب، بل كان بين كتفيه خاتم النبوة، وخاتم النبوة كحبة الخردل أو كالدينار، وهو دائرة مكتوب فيها بنفس لون جلد الحبيب صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
فخافت السيدة حليمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرجعته لأمه؛ لأن هذه أمانة، وهو من خير أبناء قريش، فلقد ورث كما يرث أي إنسان، وكل إنسان يرث ثلاثة أنواع من الوراثة: وراثة خَلقية، ووراثة خُلقية، ووراثة عامة أو خاصة، أما الوراثة الخلقية كأن يخرج الولد شبيهاً بأبيه، وتخرج البنت شبيهة بأمها، أو يخرج الولد فيشبه الأم في عينيه ويشبه الأب في شعره، وهذه تسمى الوراثة النسبية.
وهناك وراثة خُلقية، كأن يرث الولد عن أبيه الكرم، أو يرث عن أبيه الفداء والتضحية والجهاد، أو يرث عن أ