وتكره الصلاة حال حضرة الطعام، فالمسلم لا يصلي بحضرة الطعام؛ لأن عقله يتعلق به.
والأصل أن المسلم يأكل كما جاء في الحديث:(بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولابد فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه).
وقد سأل أناس الحسن البصري فقالوا: ما حال من يأكل في اليوم أكلة واحدة؟ فقال: هذا طعام الصديقين، فقالوا: وما حال من يأكل في اليوم أكلتين؟ فقال: هذا طعام المؤمنين، فقالوا: وما حال من يأكل ثلاث مرات؟ فقال: مروا أهله ليبنوا له معلفاً! فكيف إذا كان يأكل عشر مرات؟! خاصة إذا كان في الأكل شبهة.
فهناك أناس يجعلون الأكل غاية، فيقولون وهم يأكلون في الصباح: ماذا ستعملون لنا في الغداء؟! وإن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم دخل على سيدنا علي، فوجد عنده طبقين: طبق فيه قليل من الخل، وطبق فيه قليل من الزيت، فكان يأخذ لقمة الرغيف من الشعير ويضعها في الزيت، وبعد ذلك يضعها في الخل، فقال صلى الله عليه وسلم:(يا ابن أبي طالب! طعامان في طعام واحد؟! إنك لمسرف!).
وسيدنا الحسن البصري تلميذ علي بن أبي طالب وتلميذ ابن مسعود وإمام التابعين، دخل على أصحابه وهم يأكلون، فقالوا: أين الإدام يا إمامنا؟ فقال: أذكر العافية فأجعلها إدامي، يذكر أن الله عز وجل أعطاه العافية وجعلها له نعمة، وانظر إلى الرضا، فنعمة الرضا نعمة لا تساويها نعمة، فاللهم اجعلنا من الراضين.
وقد ذهب جماعة إلى إمامهم الفضيل بن عياض، فقال لهم: أتريدون طعاماً؟! عندي طعام أنعم الله عز وجل به علينا اليوم، وكانوا يريدون أن يأكلوا؛ لأن الأكل عند الصالحين نعمة وشفاء، فالطعام الحلال شفاء من كل داء.
فلما دخلوا على الفضيل قال لهم: إن الله عز وجل وسع علي هذا اليوم بطعام، أأحضره لكم لتأكلوه؟ قالوا له: نعم على الرحب والسعة.
فأحضر لهم رغيفين وقليلاً من ملح، فأكلوا، ثم قال لهم: قوموا لنصلي لله ركعتي شكر.
فقالوا: فما بالكم لو أطعمنا لحماً؟! وجمهور الفقهاء على أن من مكروهات الصلاة أن تغمض عينيك، ولكن قال الإمام أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة: إذا رأيت أنه من مدعاة الخشوع أن تغمض عينيك فلتغمض عينيك.