[ضرورة مجانبة أماكن المعاصي]
بسم الله الرحمن الرحيم أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه -بمشيئة الله عز وجل- هي الحلقة السادسة عشرة في سلسلة حديثنا عن السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات، وهي الحلقة الثالثة في الحديث عن الصلاة وأسرارها.
وسوف نطيل الوقفة عند الصلاة؛ لأنها هي الباقية لنا من الدين، فقد ورد في البخاري ومسلم عن الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم: (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، أولها الحكم وآخرها الصلاة) وقد انتقضت عروة الحكم بالإسلام، ولم يبق لنا إلا الصلاة.
ونتوجه إلى الله عز وجل في ضراعة وابتهال وقلوب مخبتة منيبة عسى أن تكون ساعة من ساعات الإجابة أن يجعل الله برحمته جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً.
اللهم لا تجعل بيننا شيقاً ولا محروماً، اللهم اغفر لنا وارحمنا عافنا واعف عنا، سامحنا وتقبل منا، لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، اللهم اكشف العذاب عنا إنا مؤمنون، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ولداً عاقاً إلا جعلته باراً بوالديه، ولا طالباً إلا نجحته، ولا صاحب كرب إلا أذهبت كربه، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً سالماً.
اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.
اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد: يأتي هذا الدرس في الحديث عن الصلاة في ليلة ينزل فيها سخط الله وغضبه على مصر، فنسأل الله أن تكون هذه الدروس جالبة لرحمة الله بالناس، وأن يجعلنا رب العباد من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا من الذين يتقبل الله منهم أعمالهم، ولعل الله عز وجل أن يرفع بفضله ورحمته غضبه، من أجل رجل كبير السن أو امرأة فاضلة أو مسلم صالح أو شاب تقي أو فتاة تعرف الله عز وجل، أو طفل رضيع لا ذنب له، أو بهيمة ترتع، فينزل علينا رحمته ولا ينزل علينا غضبه ولا عقابه.
ولعل ذلك يجعل المسلمين يستقبلون أي يوم من أيامهم بتقوى الله وبالاستغفار، فربما بات قوم على معصية الله فنظر الله إليهم نظرة مقت فغضب عليهم فلعنهم كما لعن بني إسرائيل من قبل.
فاللهم لا تلعنا معهم يا أرحم الرحمين، واكنفنا بعينك التي لا تنام، واحرسنا بركنك الذي لا يرام، إنك -يا مولانا- على ما تشاء قدير، فلا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، وأنت نعم المولى ونعم النصير.
منا الدعاء وعليك الإجابة، ومنا التكلان وعليك القبول، إنك أمرتنا بالدعاء ووعدتنا بالإجابة، فهانحن قد دعوناك فحقق لنا ما وعدتنا بإجابة دعائك، واغفر لنا وارحمنا يا أرحم الرحمين.
ولعلنا نذكر قصة الحسن البصري الذي كانت له جارية تركها على باب السوق وقال لها: يا ابنتي! امكثي هنا ولا تتحركي من مكانك، وعاد الحسن البصري بعد أن قضى حاجته فلم يجد الجارية، فلما عاد إلى البيت وجدها، فقال لها: يا بنية! لمَ لم تنتظريني كما أمرتك؟! فقالت: يا سيدي تركتني في مكان لا يذكر فيه اسم الله.
فالسوق فيه بايع ومشتر وحلاف مهين وكذاب، فخشيت أن ينزل الله غضبه عليهم فيمقتهم فتكون معهم، فأسرعت من توها لتعتصم بالبيت الذي يذكر الله فيه.
فاجتنب المكان الذي يعصى الله فيه، ولذلك قال الله عز وجل في أمر الخمر: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} [المائدة:٩٠ - ٩١].
فالله عز وجل قال في مسألة الخمر: (اجتنبوه) حتى لا تجلس في المكان الذي فيه معصية الله؛ لأن الشيطان يسول المعصية للإنسان.
وقد جيء لـ عمر بن عبد العزيز برسالة من واليه على حمص يقول له: هناك ثلاثة أو أربعة من علية القوم شربوا الخمر، فقال: أقم عليهم الحد.
فقال: فلان كان معهم، ولكنه كان صائماً.
فقال: ابدأ به يعني: أقم الحد عليه أولاً؛ لأن الله يقول: {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء:١٤٠].
إذاً: أقام سيدنا عمر بن عبد العزيز الحد على الصائم الذي لم يشرب الخمر ولكنه جلس مع شاربي الخمر.