ومن أعظم ما سطر في التاريخ من مراعاة النعمة وشكرها والصبر على زوالها ما حدث للتابعي الجليل: عروة بن الزبير لما انتشر المرض في رجله وقرر الأطباء بترها فقال لهم: اتركوني أصلي، فلما قطعوا رجله أغمي عليه من شدة الألم، فلما أفاق ووجد رجله بجانبه أخذها وبكى، قالوا: أتبكي من قدر الله وقضائه، قال: لا، يعلم الله أني لم أسر بها إلى معصية قط، وما سرت بها إلا لتعمير بيت الله والإصلاح بين المتخاصمين وقضاء حاجات المسلمين، يا رب! إن كنت قد أخذت القليل فقد أبقيت الكثير فلك الحمد.
ويضرب لذلك مثل: وهو لو أن اثنين جلسا ليشربا كوبين من الشاي أحدهما قوي الإيمان والآخر ضعيف الإيمان فشرب هذا نصف الكوب وشرب الآخر نصف الكوب، فإن المؤمن يقول: الحمد لله الكوب لا زال فيها نصفها، أما الثاني فيقول: يا خسارة لقد انتصف الكوب، مع أنهم يشتركون في فعل واحد، لكن الفرق بين من ينظر إلى ما بقي ومن ينظر إلى ما شرب، فالذي قطعت رجله لم ينظر إلى الرجل المقطوعة، لكنه نظر إلى اليدين الباقيتين والرجل الأخرى والعينين والآذان، فنظر إلى الباقي معه من النعم، يعيش المرء منا عشرين أو ثلاثين سنة في صحة وعافية ثم يصاب بالأنفلونزا فينسى كل أيام الصحة، قال الله سبحانه:{فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ}[يوسف:٤٢] لكن العبد الحق يكون راضياً وقانعاً ومتوكلاً على الله حق التوكل، فهذا سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لاقى من قريش الكثير ولم يثنه شيء عن دعوته ودينه.