للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حال الأنبياء السابقين مع الدعوة]

فالدين كله من بداية عهد آدم عليه السلام إلى سيدنا محمد يقوم على أمرين: العقيدة والتشريع، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم بتواضعه الجم: (الأنبياء إخوة دينهم واحد وأمهاتهم شتى)، يعني دينهم واحد لكن الأمهات مختلفة.

وقال في حديث آخر: (الأنبياء إخوة لعلات)، والعلات: الضرائر.

وأول الدعاة على وجه الأرض هو سيدنا نوح وظل يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة.

{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} [نوح:٥] وهذا دليل أنه كان يعظهم موعظة في الصبح وموعظة في الليل {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح:٧].

فصبر هذه السنين كلها، نسأل الله الستر، والله لو سترك الله لم يفضحك أحد، ومن كرم ربنا أنه إذا سترك في الدنيا فهو أكرم من أن يفضحك على رءوس الخلائق يوم القيامة، لكن يفضحك لو فضحت نفسك وجاهرت بالمعاصي.

فظل يدعو إلى أن قال له ربه: يا نوح! اصنع الفلك، وقال له: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ} [المؤمنون:٢٧] أي: إلا امرأتك، وبعد أن ركب نادى على ابنه فلا يزال يؤمل فيه خيراً: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ} [هود:٤٢] أي: عن الخير وعن الحق وعن الاستقامة {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:٤٢ - ٤٣].

ووصلت السفينة إلى جبل الجودي في العراق، ووصل نوح إلى بر السلامة ومتعه الله عز وجل ومن آمن معه، وما آمن معه إلا قليل، وقيل: إن مع سيدنا نوح سبعين واحداً.

ثم بعد ذلك انحرفت البشرية فبعث الله رسولاً من الرسل، وقد عرفنا قصص قوم صالح وقوم هود وقوم لوط، ثم جاء الخليل عليه السلام والذي يعتبر النبي عليه الصلاة والسلام من سلالته.

وقد وصف الله عز وجل سيدنا إبراهيم بقوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:٣٧].

وقد بلغ إبراهيم من العمر ٨٠ عاماً ويئس هو وزوجته من الولد فإذا بها تحمل بإسماعيل جد العرب وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن كبر أمر الأب أن يأخذ إسماعيل وأمه ويضعهما بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ.

كبر سيدنا إسماعيل ووصل عمره إلى خمس عشرة أو ست عشرة سنة، وإبراهيم لم يره، فأول ما قابل أباه قبله واحتضنه وقبل يديه، وقال له: يا إسماعيل! {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:١٠٢] فكان جوابه أن قال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:١٠٢]، وقد قال الله تعالى في سيدنا إسماعيل: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم:٥٤].

فهو من سلالة سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي كان أبوه آزر يصنع التماثيل التي يعبدونها، وكان عمر سيدنا إبراهيم عشر سنين، فكان يقول آزر: يا إبراهيم! بع هذه الآلهة، والآلهة أنواع: آلهة ذهب للأغنياء وآلهة حجر وآلهة طين، فكان سيدنا إبراهيم يربط الآلهة بحبل، ويمشي يقول: يا أيها الناس! من الذي يشتري من لا ينفع ولا يضر، فكان لا يشتري منه أحد بسبب تروجيه الرائع.

وذات يوم دخل سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام إلى المعبد وذلك يوم العيد، وكسر الأصنام كلها وعلق الفأس على كتف كبيرهم، فجاء القوم وقالوا: من الذي فعل هذا بآلهتنا؟ وكان هذا أحد أساليب دعوته التي كاد أن يسلم قومه بسببها.

وهذا يذكرنا بقصة أبي ذر الذي وجد صنمه مبتلاً قد تبول عليه ثعلبان وكان أبو ذر لا يعرف عن الإسلام شيئاً فقال: أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب فلو كان رباً كان يمنع نفسه فلا خير في رب تصبه المصائب برئت من الأصنام في الأرض كلها وآمنت بالله الذي هو غالب فيدخل على الرسول من أجل أن يعلن إسلامه، فقال له عليه الصلاة والسلام: (ماذا فعل الثعلبان بصنمك يا أبا ذر؟).

ومن ذلك قصة سيدنا عمر بن الخطاب فقد كان أبوه قاس وكان هؤلاء الناس ليس لهم عقول، فكان للخطاب إله من العجوة يعبده، وفي ذات يوم ذهب الخطاب ووصى ابنه عمر على هذا الصنم، وكان عمره عشر سنين فظل منتظراً أباه حتى شعر بالجوع قال: فقلت: يا إلهي! أطعمني، فلم يجبه، يا إلهني اسقني قال: فأخذت ذراعه فأكلته فلم يتكلم -وجد العجوة طعمها حلو- فراح وأخذ ذراعه الثانية وأكله فلم يتكلم، حتى أكله كله، فتذكر سيدنا عمر غلظة الخطاب، فكلم أمه أن تصنع صنماً آخر، فأخذت عجوة صنعت بها تمثالاً.

فإذاً منطقة العرب كانت منطقه غريبة جداً في مسألة العبادة.

وكان سيدنا نوح يدعو إلى التوحيد ونبذ الفاحشة، وجاء من بعدهم سيدنا داود وسليمان والملكان اللذان أعطاهما رب العباد ما لم يعط أحداً من العالمين.

فسيدنا داود ألان الله له الحديد، قال تعالى عنه: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ:١١] أي: دروعاً للحروب والسيوف والرماح.

وأما سيدنا سليمان فيقول: {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ} [النمل:١٦]، وكان سيدنا داود يقرأ الزبور الكتاب المنزل عليه فمن شدة حلاوة وجمال صوته كان الماء يتوقف عن الجريان وكانت الطيور تردد معه تسبيحه لله عز وجل، قال تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ:١٠]، ثم جاء من بعده ابنه سليمان وورث أباه وأعطاه الله ما لم يعط أحداً من قبل ولا من بعد فقد سخر الله له الريح غدوها شهر ورواحها شهر {تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} [ص:٣٦ - ٣٧] يأتون له باللؤلؤ والمرجان من تحت البحر وكان ملكه في بيت المقدس الذي يريد اليهود الآن أن يهدموا المسجد الأقصى بغرض إخراج هيكل سليمان من تحته.

وقصة الهدهد التي حدثت مع نبي الله سليمان نتعلم منها كلنا، فذات يوم كان سليمان قاعداً في ملكه تظلله الطيور، والجن والشياطين والوحوش أمامه، فرأى شعاع الشمس وقد نفذ إليه فقال: لابد أن هناك طيراً غير موجود {مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل:٢٠] وبعد قليل جاءه الهدهد وقال: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل:٢٢] وقال: إنه يوجد من الإنس امرأة تحكمهم ويسجد قومها للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فأضلهم عن السبيل، فتحدث الهدهد في قضية الإيمان والتوحيد والعقيدة، فأراد سليمان أن يتأكد وأن يستوثق من كلام الهدهد ومن الخبر الذي جاء به.

فأرسل معه كتاباً قال له: خذ هذا الكتاب فألقه إليهم، فقطع الهدهد المسافة من بيت المقدس إلى صنعاء، وطار حاملاً رسالة نبي الله سليمان، أخذ الهدهد الرسالة وذهب إلى ملكة سبأ وألقى إليهم الخطاب، فقالت: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل:٢٩]؛ لأن الخط يدل على أنه خط ملوك وشعار الملك عليه، فأكيد إن الرسالة من نبي الله سليمان، ثم سألتهم عن رأيهم فقالوا: {نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل:٣٣]، وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (تعس قوم ولوا أمورهم امرأة)، فأنا كنت أتمنى أن المصالح الحكومية يديرها الرجال، والمدرسة التي تكون فيها مديرة أتمنى أن كل الذي تحت يدها يكن نساء، لكن أن الرجل يعمل تحت إمرة المرأة فهذا لا ينبغي، والمرأة عقلها كالرجل تماماً ولكن مكانها البيت أساساً.

ويا ليت تراعى هذه القضية فإن المرأة بطبيعتها تمر عليها أيام تكون فيها عصبية، بسبب الإفرازات المعينة التي تحصل لها في جسمها وهذا ما يجعلها في حالة عصبية، فأحياناً تجد المرأة راضية عنك تماماً ولكن بعد خمس دقائق يتبخر هذا الرضا ولا تعرف أين ذهب، فهذه حالتها.

ليس معنى هذا أن النساء بهن شيء من الجنون فكلمة حنان واحدة تجعل المرأة راضية كل الرضا كما قالت بنت محلم الشيباني: يا بنية كوني له أمة يكن لك عبداً.

يعني: كوني لزوجك مثل الخدامة فهو سيكون عندك عبداً.

قالت: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل:٣٥] فدخل رسلها على سليمان في ملكه وكان الشياطين والجن قد صنعوا الطريق المؤدي إلى العرش الذي يجلس عليه سليمان من الذهب الخالص فدخل الرسل ومعهم هدايا من الذهب، والتي تعتبر قليلة بالنسبة لسليمان فقال: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النمل:٣٦] فأيقن نبي الله سليمان أنهم سوف يأتون إليه مسلمين فعرض الأمر على جنوده من الجن من يأتي بعرش بلقيس قبل أن تصل {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل:٣٩].

فقال عفريت مؤمن بالله عز وجل عنده علم من الكتاب: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل:٤٠] فبمجرد أ

<<  <  ج: ص:  >  >>