[التحذير من الاختلاف بين الدعاة لأنه يهدم ولا يبني]
دخل أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا خير البرية! فقال صلى الله عليه وسلم: (خير البرية إبراهيم الخليل)، ومع ذلك تجد اليوم بعض من يدعي العلم يقول: أنا الشيخ فقط، ينبغي أن تسمعني أنا فقط، غافلاً أو متغافلاً عن قاعدة التعلم التي قررها سيدنا الإمام مالك وهو يسند ظهره إلى قبر الحبيب ويشرح للناس كلام الله وكلام رسوله ويقول: كل الناس يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا المقام الشريف، وإنما استثناه لأنه لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، ولا يقول كلاماً من عند نفسه.
وكم أنزعج وغيري مثلي من بعض الناس الذين يحبون أن يستقطبوا الناس ويصدوهم عن سماع غيرهم، فأقول: هلا تركتم الناس يتعلمون ممن شاءوا طالما أن من يعلمهم يقول: قال الله قال الرسول.
أما أن يذهب عند هذا يوغر صدره من الدرس، ويذهب عند هذا فيفعل كما فعل الأول، فيصدق فيهم قول الشاعر: وإذا فرق الرعاة اختلاف علموا هارب الذئاب التجري والمعنى: أن الرعاة عندما يختلفون فيما بينهم تأكل الذئاب الغنم، وما أكثر الذئاب هذه الأيام.
وكم هزني البارحة خبر حتى ظللت كل يومي مكتئباً وكلما تذكرت اكتأبت من جديد، والخبر هو ما قرأته في آخر صفحة في الجريدة، أن شرطة الملاهي أمسكت بثلاث راقصات يرقصن من غير ترخيص، وهذا يشير أن هناك من يرقصن بتراخيص، أنا لا أدري هل يلزمها حمل الرخصة في جيبها مثل رخصة السيارة أم لا؟ ولك بعد هذا أن تتخيل كم من ذئاب حولك تحطم أسوار الفضيلة وأهل الدين وأهل الاستقامة، والمسألة خطيرة وليست بهينة، فأنت تبني ومن حولك مائة يهدمون، فما الفائدة إذا كنت تبني وغيرك يهدم؟ فسبحان الله العظيم!! وهنا يجدر التنبيه أن دروس السيرة ليست حكايات، فيحتج البعض فيقول: أنت لم تكلمنا عن شيء من أحداث السيرة، فالذي يريد السيرة حكايات فليذهب ويقرأ في الكتب، أما نحن فنعتقد أن السيرة علم نحاول به أن نأخذ بأيدينا وأيديكم إلى طريق الحق.
ولذلك قال أهل العلم: من احترقت بدايته أشرقت نهايته، فالطالب الذي يذاكر طوال السنة ليل نهار يكون في آخر السنة الأول، ومثلها: المؤمن وهو يعاني ويكابد الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية لا يتكلم إلا بخبر، غاضاً بصره لا ينظر إلا إلى حلال، أصم لا يسمع إلا الخير، ويذهب بأرجله إلى الخير، فيحرص على أن يصلي الفجر والعشاء ويحضر دروس العلم، ويتذلل للعلماء ويتواضع للناس ولا يتكبر على أحد، كل هذا الكلام احتراق للنفس، فمن احترقت بدايته أشرقت نهايته جعل الله نهايتنا مشرقة.