[مكانة السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها]
تلك مقدمة سريعة لتنجلي القلوب للدخول على درسنا الذي نريده، وكنا قد توقفنا عند زواج سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيدة خديجة رضي الله عنها.
فالسيدة خديجة لها وضع خاص في الإسلام، وإني لأعتب على الكتاب الذين يكتبون ويؤلفون، فالسيدة خديجة لم تأخذ حظها من الكتابة إلى اليوم؛ وهي العمود الأساسي الذي قامت عليه الدعوة في بدايتها، فهي التي وقفت بجوار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن فضل الله سبحانه وتعالى أن قيض لرسوله صلى الله عليه وسلم من يناصره، ومن لا تقف الجبال الشم الرواسي أمام القلوب المؤمنة.
فالسيدة خديجة تقف أمام زوجها قائلة: إنك لتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، والله لن يخزيك الله أبداً.
فقال لها: إنني أخاف أن يكون هذا الذي أتاني ليس بملك؟ فقالت له السيدة الحصيفة اللبيبة: إذا رأيته فأخبرني.
فلما رآه قال لها: هذا هو بالباب، ثم قال له: ادخل يا جبريل.
فدخل، فلما علمت أنه دخل البيت كشفت خمارها، فقال لها: لقد خرج جبريل.
فقالت: هذا ملك وليس بجني.
ومات ابنها عبد الله فبكت، وكانت تود أن يعيش لها هذا الطفل، فلما بكت نزل جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أقرئ خديجة منا السلام، وإن الله يقول لها: كفى حزناً على عبد الله؛ إن له مرضعاً في الجنة ترضعه، أتحبين أن ترينه يا خديجة؟! فقالت: بل أصدق الله ورسوله.
إن هذا الكلام كلام كبير وليس كلاماً قصصاً تقال، فإنه يدل على قوة الإيمان بالغيب، وهذه مسألة عظيمة.
فسبحان الله العظيم، يأتي الرجل اليوم مرتين ليصلي في الجامع فيظن نفسه أبا بكر الصديق، أما السلف فكانوا على العكس من ذلك، فهذا عطاء بن أبي رباح أحد كبار التابعين، يقول: إني أصلي الركعتين وبعد أن أسلم أشعر كأنني زان أو سارق رآه الناس وهو يزني أو يسرق حياء من الله عز وجل أنه لم يصلهما كما ينبغي! فيشعر أنه مقصر في حق الله.
يا مؤمن! إن الواحد من الشعب المصري يظن نفسه أبا بكر الصديق، ألم يكن هناك رجل فاجر يقول: إنني أترسم خطا عمر بن الخطاب؟ وكان يذبح المسلمين! وعندما حج عطاء قيل له: أترى أن الله قبل الحجيج؟ فقال: لو وقف هؤلاء أمام باب بخيل وطلبوا منه دانقاً -نصف درهم- أيعطيهم؟ قالوا: نعم، لأن البخيل يستحيي من العدد الكثير قال: فالله أكرم من هذا البخيل، فنام عطاء بن أبي رباح بعد أن أفاض الحجيج من عرفات، فرأى في الرؤيا كأن ملكين قد هبطا من السماء فقال أحدهما للآخر: كم حج البيت هذا العام؟ قال: ستمائة ألف، قال الملك الآخر: وكم قبل الله منهم؟ قال: ما قبل إلا ستة، فقام سيدنا عطاء فزعاً من الرؤيا، فمكث طول يومه يبكي ويقول للناس في منى: أيها المسلمون استغفروا الله، ادعوا الله بضراعة، ولكن لا يريد أن يذكر لهم الرؤيا.
وفي اليوم الثاني أخذته سنة من النوم فرأى نفس الملكين، فقال أحدهما: كم حج البيت هذا العام؟ قال: ستمائة ألف، قال: وكم قبل الله منهم؟ قال له: ما قبل إلا ستة، قال له: ولكن هذا قليل، قال: لقد وهب مع كل واحد من الستة مائة ألف!