للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المخلصون لغير الله]

النوع الرابع: أناس عندهم إخلاص ولكن لغير الله، حيث يقول الواحد منهم: لو أن البنت نجحت في البكالوريوس هذه السنة فإني سأذبح عجلاً للسيد، فارتبط السيد بالعجل ولا أعرف لماذا.

فالسيد البدوي رجل كان تقياً ورعاً عالماً فاضلاً مجاهداً في سبيل الله، وكان يحارب التتار، ولكن لا أعرف ارتباط هذا الرجل الصالح بذبح العجل.

وهناك قصص في هذا الباب منسوجة كذباً، فقد ذكروا أن امرأً من أسيوط كان نذر أنه يذبح البقرة للسيد، وفي الصباح لم يلق البقرة في الزريبة، فظل يبحث عنها ولم يلقها، فذهب إلى طنطا فوجدها مربوطة هناك عند السيد! إنه لابد من أن نرقى في مسألة الفكر؛ لأن الفكر مرتبط بالعقيدة، وعقيدتنا -والحمد لله- صافية ليس فيها ألوان، فالعقيدة صواب أو خطأ، حلال أو حرام، استقامة أو انحراف، وجنة أو نار، ولا يوجد حل وسط.

لقد كان هناك شخص أيام محمد علي في السودان اسمه عثمان الدكين، وكان شيخ طريقة، فبلغهم أن جيش محمد علي ذاهب من أجل أن يحتل السودان ويضمها إلى مصر، فجاءوا إليه فقالوا: يا سيدنا الشيخ، إن محمد علي آت لاحتلالنا، فماذا نعمل؟ فقال: من أين سيأتون؟ قالوا: عن طريق النيل، فقال: أنا سأشرب ماء النيل كله بحيث إن مراكبهم تنزل في القاع وتلصق في الطين! وهناك أخ لي في الله ذهب إلى إحدى جلسات العلم عند أحدهم، فكان الدرس كله على وجوب تقبيل يد العالم.

فهذه حلقة فيها هوى، وانظر إلى الفرق بين هذا وبين الإمام مالك، فعندما وصل هارون الرشيد إلى المدينة أرسل إلى إمام دار الهجرة: يا إمام دار الهجرة! وصلت إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأريد أن تحضر إلي لأدارسك العلم، فأرسل مالك إليه: يا أمير المؤمنين! العلم يؤتى إليه ولا يأتي.

فالذي يريد التعلم يحضر، ولا يأتي العلم إلى البيوت.

ثم قال: يا أمير المؤمنين! إني أعقد درساً بعد صلاة العصر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أردت أن تستزيد علماً فاحضر، ولكن لا تأت متأخراً وتتخطى رقاب المسلمين، فإن تخطيت رقاب المسلمين أحرجتك أمام رعيتك، فجاء هارون الرشيد متأخراً فجلس في الخلف، وكان يريد أن يرى وجه مالك الذي يقطر نوراً، فقال للخدم! ائتوني بكرسي من أجل أن أنظر، وكل الناس جالسون على الأرض، فجلس هارون الرشيد على الكرسي، فقال الإمام مالك: فيم كنا نتحدث البارحة؟ فقالوا: توقفنا يا إمام عند أركان الصلاة، فقال: وبم وعدتكم البارحة؟ قالوا: وعدتنا أن تحدثنا عن سنن الصلاة، فقال: كلا، سوف نلغي الموضوع ونؤجل سنن الصلاة، وسوف أحدثكم عن التواضع.

وهارون الرشيد لا يتغابى، فعلم أن الكلام عليه فترك الكرسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>