[بركة النبي صلى الله عليه وسلم في كفالة عمه أبي طالب]
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم تأت على لسانه كلمة: يا أبي أبداً، وبعد ست سنوات ماتت أمه، وما قال: أمي، إلا سنوات قليلة؛ لأجل أن يبقى قلبه معلقاً بالله، ومن أجل ألا يتدخل أحد من البشر في تربيته، ويعيش يتيماً في بيت عمه أبي طالب، وقد كان كثير العيال، وكان الأكل لا يكفيهم، فعندما يأكل معهم الحبيب المصطفى، فإن العيال يشبعون ويفضل أكل، فكان أبو طالب يقول: انتظروا حتى يأتي ابني محمد.
إذاً: أبو طالب كان يرى أن الخير كله والبركة كلها في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد تعلم الرسول صلى الله عليه وسلم في بني سعد الفصاحة والبيان واللغة العربية، والرماية، وركوب الخيل، وتعلم السباحة في بئر كانت عندهم، ومر ذات يوم على بئر فتبسم، فقيل: ما يضحكك يا رسول الله؟! قال: هنا تعلم نبيكم السباحة.
والسباحة رياضة طيبة يقرها الإسلام، وهناك رياضات لا يقرها الإسلام.
وقد كان من طبيعة العرب أنهم يأخذون أبناءهم إلى البادية في جو الصحراء النقي من أجل أن يتعلم ما تقدم ذكره.
ثم عاد إلى أمه وذهبت به لتزور أخواله في بني النجار، ثم ماتت، ودفنت في الأبواء، وكان لا يزال يذكر عطفها وحنوها عليه فيبكي صلى الله عليه وسلم.
وبقي ست سنوات في كنف جده عبد المطلب، وكان عبد المطلب الرئيس العام لقريش، أو زعيم قريش، وكانوا يضعون له فراشاً أو سجاداً عند الحجر الأسود، ولا يقترب من هذا الفراش أحد من أبنائه الكبار، فيحيطون بهذا الفراش، ويأتي عبد المطلب فيجلس، فعندما كان يأتي سيدنا محمد وكان عنده من العمر سبع سنوات كان جده يجلسه على الفراش، ويقول: دعوا ابني هذا، فإن له شأناً عظيماً، ثم يضعه بجواره ويمسح على ظهره، ويقول: إن فيه خيراً عظيماً.
أي: إنه ليس ولداً عادياً وإنما هو إنسان سوف تكون له مكانته.
ويبقى سنتين في كفالة جده، وكان جده لا يتركه، وكان ينام معه، وكان عبد المطلب يقول: ينام معي في الليلة الظلماء وكأن الشمس في حجرتي.
ثم يموت جده عبد المطلب، وقبل أن يموت أوصى ابنه أبا طالب أن يتكفل بسيدنا محمد، وقد كان عدد أبناء عبد المطلب عشرة، وقد قال: لو رزقت بعشرة لذبحت واحداً، ولم يؤمن منهم إلا اثنان: حمزة والعباس، أسلم حمزة في السنة السادسة من البعثة، وبعد ثلاثة أيام من إسلامه أسلم عمر بن الخطاب، فـ حمزة كان ترتيبه في الدخول للإسلام برقم (٣٩)، وعمر كان ترتيبه ورقمه (٤٠).
ولأن المسلمين كانوا يشتكون من أبي جهل عمرو بن هشام ومن عمر بن الخطاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أعز الإسلام بأحب العمرين عندك: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام)، فتحققت الدعوة في سيدنا عمر، ونزل جبريل يوم أن أسلم وقال: يا رسول الله! إن أهل السماء قد كبروا عندما أسلم عمر.
أما المسلمون اليوم فإنهم أصفار تنضم إلى أصفار، فعددهم ألف مليون مسلم، ولو بصق كل واحد منا بصقة لأغرقنا إسرائيل، ولو نفخ كل واحد منا نفخة لطيرنا إسرائيل، وإذا كانت هذه النفخة لا تخرج من قبل موصول بالله فلا تطير أمامها ولا نملة؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا ينصر الناس بالمناظر ولا الغلبة بالصدر وبالذراع، إنما الغلبة بالإيمان.
كما غلب سيدنا داود عليه السلام جالوت، وذلك لما بعث الله طالوت ملكاً كان من ضمن جنوده سيدنا داود، وكان عمره خمس عشرة سنة، فوضع حجراً في مقلاع، وسمى الله وضرب بمقلاعه فطار الحجر فقتل جالوت، قال تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [البقرة:٢٥١] قال الله له: يا داود! أنت عليك أن تضرب وأنا علي أن أقتل، أنت تأخذ بالأسباب، وأنا المسبب.