[روابط الصلة بين المؤمنين]
وقوله تعالى: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:٤٦]، وقراءة ابن عباس: إنه عَمِلَ غيرَ صالح، فلما عمل غير صالح خرجت البنوة والأهلية؛ لأن الأهلية لا تكون إلا بالإسلام وبالعمل الصالح، ورب أخ لك لم تلده أمك، ورب أخ لك في الله تحبه ويحبك ولا تعرف اسمه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سلمان منا آل البيت).
إذاً: سلمان مع الحسن والحسين وعلي وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن مرآة أخيه) أي: مرآة ينظر فيها وجهه، ولذلك قال أحد العلماء لتلاميذه: أنا أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم، فهذا تناقض.
إذاً: المصلحة التي تجمعنا هي قوله صلى الله عليه وسلم: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه).
والحسن البصري ترك قوماً فلم يجالسهم فسئل عن سبب ذلك فقال: لأنهم أناس إن غفلت ما ذكروني، وإن ذكرت ما أعانوني، وإن نصحت غضبوا مني.
فالأخ المسلم لابد له أن يذكر أخاه المسلم بطاعة الله تعالى.
وقالوا: إن العالم أهم للإنسان من أبيه وأمه؛ لأن العالم يقي الإنسان من نار الآخرة بخلاف الأبوين فإنهما لا يهتمان إلا بأمور ولديهما الدنيوية إلا ما رحم الله تعالى.
ويجب على الإنسان أن يكون قدوة صالحة لأهله، قال صلى الله عليه وسلم: (وخيركم خيركم لأهله).
(وخير الناس أنفعهم للناس) وأولى الناس بك أهلك، قال تعالى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ٠ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦].
والمؤمن يرى أن الحق قادم، وأن دولة الباطل ساعة ودولة الحق بلا تحديد، وهي الحياة الأخروية في الجنة دار النعيم تكون لأهل الحق، اللهم اجعلنا من أهل الحق ومن القائمين بالحق ومن القائلين بالحق ومن الذي يقبلون الحق يا أرحم الراحمين! قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الباطل خفيف كخفته يوم القيامة، وإن الحق ثقيل كثقله يوم القيامة) فالباطل في الدنيا خفيف مثل خفته يوم القيامة، والحق ثقيل في الدنيا والآخرة، وما يقبل الحق فينا إلا قلائل.
ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يدعوهم إلى كلمة التوحيد، وجو الطائف لطيف؛ لأنه مليء بالبساتين، أما مكة فهي وسط جبال فالحرارة تكون فيها دائماً مكتومة، ومن حكمة الله الجليلة أن جعل البيت الحرام الذي يحج إليه كل عام شديد الحرارة لئلا تعيش فيه الميكروبات والحشرات، فإن درجة الحرارة قد تصل إلى ثلاثين أو أربعين درجة مئوية.
ومع ذلك فإن مليوني حاج يجتمعون في مكان واحد وقد أتوا من كل مكان، وكل واحد منهم يرجع سالماً غانماً، وقد ثبت على مر التاريخ كله أن السماء تمطر مطراً غزيراً بعد موسم الحج بأيام في مكة والمدينة، ومن حكمة ذلك تنظيف أرض الحرمين.
والنبي صلى الله عليه وسلم ترك مكة وذهب إلى الطائف ليقول لهم: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، أنا رسول الله إليكم، والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبداً أو النار أبداً).
فعندما تتحجر القلوب لا يفيد الوعظ ولا النصح، فالإيمان مثل التيار الكهربائي مع التلفزيون، فإذا فتح التيار الكهربائي ظهرت الصورة على شاشة التلفزيون، وإذا أغلق التيار انعدمت الصورة، وهكذا الإيمان إذا حصل في القلب ظهرت في الجوارح البشاشة والرفق واللين والرحمة والرضا والثقة في الله والأمن والاستقامة وعدم الخوف، وإذا نزع الإيمان من القلب حصل عدم الرضا وضيق الصدر وعبوس الوجه وتقطيب الجبين، لا يتحمل امرأته وعياله.