للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إخلاص عطاء بن أبي رباح]

ولقد روي أن عطاء بن أبي رباح ذهب ليحج، فبعدما أفاض الحجيج من عرفة، قيل له: أتظن أن الله سيقبل العمل أو لا؟ فقال: أوقن أن الله قبل، لولا أني فيكم، يعني: أنا الشر الوحيد الذي لن ينزل الله الرحمة بسببه.

وعطاء بن أبي رباح هو الذي نام ليلة المزدلفة، فرأى ملكين، يقول أحدهما للآخر: كم حج هذا العام؟ فقال له: ستمائة ألف، قال: وكم قبل الله منهم؟ قال له: ما قبل إلا ستة.

فقام عطاء فزعاً، والواحد منا لو رأى هذه الرؤيا لقال: أنا من الستة، لكن عطاء خاف على نفسه، فظل يدعو الله عز وجل، ويقول للناس: ألحوا في الدعاء، وفي ثاني أيام منى أخذته سنة من النوم، فرأى نفس الملكين، فقال أحدهما للآخر: كم حج هذا العام؟ قال له: ستمائة ألف، قال له: وكم قبل الله منهم؟ قال له: ستة، فقال الملك: لكن الله كريم، قال: نعم، إنه أعطى كل واحد من الستة مائة ألف.

وهذا من رحمة الله، ولذلك قيل: إنه لو أتي برجل مؤمن وأعطي مفاتيح الجنة يوم القيامة وقيل له: أدخل من شئت، فإنه سوف يدخل ويقف على الباب ويمنع ويقول: لا نريد الزحمة.

فالإنسان كنود بخيل لا يعرف العطاء، لكن الله عز وجل كريم يغفر يوم القيامة مغفرة يتطلع إبليس إليها، فيظهر من رحمة الله عز وجل ما لا يخطر على قلب بشر، فستظهر الرحمة يوم القيامة، حيث يجمع العباد ثم بعد ذلك يقول: يا عبادي! ما بيني وبينكم فقد غفرته لكم، فتصالحوا.

وقد أجاب العلماء عن ذلك السؤال، وهو: ما الذي جعل العظماء من أهل العلم وأهل التقوى يتهمون أنفسهم بالتقصير؟ فقالوا: إن ربنا من رحمته أن ينسي الصالحين الأعمال الصالحة التي يعملونها، فالواحد منهم يعمل العمل ولا يذكر عمله، فيقول: يا إلهي! إنني سأضيع، وسأكون في داهية، فلم أعمل شيئاً.

وأما أنت فإنك إذا عملت حسنة صغيرة تعيرنا بها سنتين، فلو أتى إليك أحد مرة وأخذ منك خمسة جنيهات فإنك بعد ثلاثين سنة تقول له: أتذكر الخمسة الجنيهات التي أخذتها؟! وقد قالوا لـ عطاء بن أبي رباح: يا عطاء! إننا نرى فئراناً كثيرة تخرج من بيتكم، قال: نعم، قالوا له: لماذا لا تحضر قطة؟ قال: أخاف أن تهرب الفئران إلى بيت جاري فأكون قد ظلمته.

إنك قد تحضر الكلاب المسعورة إلى باب جارك، وتتمنى أن شقة جارك تسقط على أولاده.

وسمعت بأذني في عرفة شخصاً يدعو الله بأن يهدم بيته، ويقول: آمين يا مولانا.

فقلت له: آمين على ماذا؟ فقال: أن يهدم الله بيتي، فقلت له: لماذا؟ قال: إن البيت قد أجرته في منطقة مهمة جداً، ويأتي بسبعين جنيهاً في الشهر، ومنذ عشرين شهراً وأنا أطالب جهة الإسكان ولا فائدة، فأدعو الله أن يهده من أجل أن أبيعه، فإن المتر وصل إلى ألفي جنيه! فسبحان الله، أتدعو على الناس؟! لنفرض أن الله استجاب: {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا} [الإسراء:١١].

<<  <  ج: ص:  >  >>