[الأخوة بين المهاجرين والأنصار]
وقد كان العربي يحتل أرض العربي صاحبه، ويقاتله عشر سنوات أو أربعين سنة من أجل أن فرسه سبق فرسه، وقد قال ربنا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:١٠٣].
يعني: كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم، ولو قامت حرب بيننا وبين إسرائيل مثلاً فهجروا إخواننا الذين في السواحل -نسأل الله العفو والعافية- وجاء المسلم السويسي وقال لك: أنا أريد آخذ غرفتين أو غرفة في شقتك ونقسم الثلاجة نصفين، فقبل أن يكمل طلباته فستقول: إن هذا الرجل قد جن.
والرسول صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، فكان يأتي المدني الأنصاري ويقول لأخيه المهاجري مثل سعد بن الربيع الذي آخى الرسول بينه وبين عبد الرحمن بن عوف، قال: يا عبد الرحمن! أنا لي بيتين، فالبيت الذي يعجبك خذه، وأنا متزوج امرأتين فأطلق لك واحدة فإذا انقضت العدة تزوجتها، وعندي كذا دينار فنقسمها نصفين، وأين تجد هؤلاء الناس؟ وما أخذ بسيف الحياء فهو حرام، وهذا حكم فقهي، وهذه النقطة مهمة، لأن الإيمان لما ضاع منا ضاع الحياء، مثل شخص جلس معك في المكتب، وجد أمامه قلماً جميلاً فقال: هذا القلم جميل لم أر مثله في السوق، فأعطيته وقلت: تفضل يا أخي! فيقول: لولا أنك حلفت، فأخذه في جيبه، فهذا كأنه سرقه، والإسلام يحاسبه على أنه سارق.
ومثل الموظف الذي لا يقضي لك المصلحة إلا برشوة، ويتعلل بأن الأولاد كثير هذه الأيام، والمدارس والمصاريف والحكاية والرواية.
فـ عبد الرحمن بن عوف قال له: جزاك الله خيراً يا أخي! دلني على السوق، قال له: ماذا تفعل في السوق؟ وماذا لديك؟ قال: عندي أقط، وقد دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة في الرزق، فوالله لو وضعت يدي تحت حجر لظننت أني أجد تحته ديناراً، ولو أمسكت التراب لصار ذهباً، ببركة دعوة رسول الله.
ويوم موت عبد الرحمن بن عوف كانت نساؤه أربعاً، وهذا أمر حلال، أحله الله، واليوم صور الإعلام أن الزوجة الثانية بالنسبة للرجل تعني الحرب العالمية، والحاقة والصاخة والهول الأكبر.
فلما مات عبد الرحمن بن عوف كانت زوجته الرابعة حاملاً وأخذت اثنين مليون دينار، وهم ما كانوا يعرفوا المليون، وإنما كانوا يقولون: ألف ألف، والأربع يشتركن في الثمن، فهي أخذت اثنين مليون دينار، يعني: واحد من اثنين وثلاثين من التركة، فقد كانت تركة عبد الرحمن بن عوف يوم موته أربعة وستين مليون دينار، وهذا قبل ألف وأربعمائة سنة، فكانت أكثر من ميزان المدفوعات لأمريكا.
وهذا كله ببركة التجارة الحلال، وعدم الضحك على الناس، وعدم استخدام الدين للوصول إلى مآرب؛ لأن الدين غاية وليس وسيلة.
فالخصوم الحاليين قد شهدوا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكلنا قرأنا كتاب العظماء مائة، وأولهم محمد صلى الله عليه وسلم، فهذه شهادة الخصوم تشهد له بالصدق والأمانة.
وكان أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء الناس، فمن أتباعه أبو بكر، وكان من سلالة بني تيم، وعمر وكان من سلالة بني عدي، وعثمان وكان من سلالة بني أمية، وعبد الرحمن بن عوف وكان من سلالة العائلات، وخالد بن الوليد وكان من سلالة بني مخزوم، وسعد بن أبي وقاص.
وكلهم من علية القوم، ومن أعظم أصول وبطون قريش.
وقد كانوا يقولون: إن الفقير دخل الإسلام من أجل أن يحتمي فيه، وهو لم يجد الحماية في الإسلام! فقد كان يمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم عند الكعبة وهم يعذبون فيقولون له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فكان يغضب ويقول: (والذي بعثني بالحق نبياً لقد كان الرجل من قبلكم ينشر ما بين مفرق شعره إلى أخمص قدميه لا يثنيه عن قوله لا إله إلا الله، اصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده).
وكان يقول (ليبلغن هذا الدين ما زوي لي من الأرض، حتى تخرج الظعينة من أرض العراق)، تحج بيت الله الحرام لا تخاف على نفسها إلا الذئب على الغنم)، فهي ستمشي وسط بلاد مسلمة، فالمسلم لا يروع المسلم، وسبحان الله! تمشي الظعينة من أرض العراق لا تخاف.