للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان عظمة فضل رسول الله ورحمته بأمته]

ولقد كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أمنة للأرض، كما كان أصحابه أمنة لمن بعدهم، ووصفه ربه بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:١٠٧].

وإنما تظهر هذه الرحمة بمعرفة أحوال الأمم السابقة فإن الله كان إذا أراد عذاب أمة يعذب الأمة كلها، فطوفان نوح، والصيحة، والريح العقيم عذاب أمم بأسرها، وكذلك عذاب قوم لوط، فعندما مرت الملائكة على سيدنا إبراهيم قدم لهم عجلاً، كما قال تعالى: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:٦٩]، ففوجئ سيدنا الخليل بأنهم لا يأكلون، وكان من حياء الخليل أنه إذا أكل مع ضيفه طأطأ رأسه، وأما في الشريعة الإسلامية المحمدية فمن أدب النبوة أنك تتكلم مع الذي يأكل إذا كنت صاحب البيت، ففي الحديث: (تحدثوا على طعامكم ولو في ثمن الطعام).

وقد كان المدرسون يعلمون الخطأ في المدارس في هذا الأمر أيضاً، حيث يقولون: من آداب المائدة ألا تتحدث وأنت تأكل.

وهذا تعليم مخالف للسنة، فالسنة أن يكلم بعضنا بعضاً على الأكل، ولكن المهم ألا يكون في نيتك أن تتكلم مع الرجل من أجل أن يتكلم لتأكل طعامه، بل تكون نيتك أنك تغمر صاحبك بكلمة طيبة، ولا تتكلم بالسوء، كأن تقول له: انظر إلى صاحب الفرن الحرامي، انظر إلى صاحب الخضار المجرم، فإنك بهذا الشيء تدخل نفسك في متاهة، وتقوم مأزوراًَ غير مأجور.

ومن الآداب في الضيافة ألا تتكلف لأخيك المسلم، فالموجود يكفي، أما الضيافة على أرقى مستوى، وتكليف الناس فوق الطاقة فليس من الشرع في شيء.

ولو يعلم المسلم ما للضيف عنده لاستكثر من الضيافة، قال ابن مسعود: إن أحب إنسان إلى قلبي هو الضيف، فقالوا له: لماذا؟ قال: رزقه على الله، وثوابه لي، ويأخذ ذنوب أهل البيت وهو خارج.

والضيف إذا دخل البيت يسمى أسيراً، فلا يتحرك إلا بإذن صاحب البيت، فإن قال لك: اجلس، فاجلس في المكان الذي أمرك.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد موجوداً ولا يتكلف مفقوداً، فالأكل الذي وجد أمامه لا يرفضه، ولا يتكلف أشياء غير موجودة.

وكان إذا وضع اللقمة في فمه يمضغها، ولا يتناول لقمة أخرى حتى يبتلع ما في فمه، ولم يكن نهماً، ولذلك يروى أن كافراً استضافه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلب له حلاب سبع شياه فشربه، ثم أسلم، فقرب إليه حلاب شاة فما استطاع شربه كله، فقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء).

فسيدنا إبراهيم عندما دخل عليه الضيوف الملائكة أوجس منهم خيفة عندما وجدهم لا يأكلون، فقالوا: لا توجل، إنا رسل ربك ذاهبون إلى قوم لوط.

وحين دخل الملائكة على سيدنا لوط نقلت امرأته خبرهم إلى قومها، فجاءه قومه يهرعون إليه، فقال: يا قوم! لا تؤذوني في ضيفي {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود:٧٨]، فقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود:٧٩]، فقال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:٨٠]، فطمس الله أعينهم، ثم اقتلع جبريل عليه الصلاة والسلام قراهم وجعل عاليها سافلها حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم والعياذ بالله يا رب العالمين.

وأما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلم تصب بعذاب عام.

<<  <  ج: ص:  >  >>