وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قوة لمن حوله، وكان يعطيهم الطمأنينة ويعطيهم الأمان، ويعطيهم الثقة ويعطيهم الصدق، ويعطيهم اليقين، ويعطيهم صدق التوكل على رب العباد سبحانه وتعالى، فلم يتزعزع قط.
فقد جاء أبو طالب إليه وقال: يا ابن أخي! لقد جئت قومك بما لم يأت به أحد غيرك.
فارفق بي وبنفسك.
وذلك أنهم يعبدون أصناماً من دون الله، ويعبدون الملائكة ليقربوهم إلى الله زلفى، ويقولون عن الملائكة: إنهم بنات الله، ويطوفون بالبيت عرايا، وجاء هو ليقول غير ذلك! فكان يريد أن يقول له: يا ابن أخي! أنا لا أريد إهانة عند أهل مكة.
وفي هذا الوقت لم يكن حول الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين شخصاً في مكة كلها، حيث صناديد مكة والعتاة الكبار والمجرمون والطغاة، فقال له قولته الشهيرة التي نحفظها قولاً ولا يطبقها واحد منا عملاً:(والله -يا عم- لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه).
يعني أنه لن يتراجع عما أمره الله به، فإما أن يظهر الله هذا الأمر، وإما أن يهلك دونه ويستشهد في سبيل الله عز وجل.
وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم صدقاً ما بعده صدق، وفي ليلة الهجرة جعل علياً يبيت مكانه؛ حتى إذا أصبح أعاد أمانات قريش إلى أهلها، فانظر كيف يعملون به وكيف يعاملهم! فرسول الله عليه الصلاة والسلام إنسان رباه الله عز وجل، فما ظنك بمن رباه المولى عز وجل؟! إنك حين ترى ولداً مؤدباً تقول: الله يجزي من علمك الخير، ونسأل الله أن يبارك في والديك، فما بالك بمن كان مربيه هو هاديه وبارئه وخالقه؟!