للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومقتضى القراءة الأخيرة أن الرّسل يبلغون حدّا من الصّبر والضراعة مع ازدياد استكبار المستكبرين، وعتوهم إلى حدّ يجعلهم يشكون بمن معهم من المؤمنين أنهم لا يخلصون في إيمانهم، وبهذا المعنى قالت عائشة رضي الله عنها: (لم يزل البلاء بالرّسل حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين قد كذبوهم) (١).

ولا شك أن هذه المعاني جميعا تزيد من عقيدة المؤمن بقرب نصر الله كلما ازداد البلاء، واشتدت المحن، وهي كما ترى لا تتعارض في الفهم بل تتآزر، وتتكامل.

قال قوم: إن الظّن هنا ليس بمعنى اليقين بل لفظه معناه (٢). وهو مذهب قوي، وهو لا يغيّر شيئا مما قدّمناه، بل يؤيّده ويدلّ له.

[المسألة الحادية عشرة:]

قوله تعالى: فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [مريم: ١٩/ ٢٤].

قرأ أبو عمرو، وابن كثير، وابن عامر، وشعبة بن عاصم، ورويس: (فناداها من تحتها) بفتح الميم، والتاء. جعلوا (من) اسما، وجعله النداء له. المعنى: فناداها الذي تحتها؛ وهو عيسى، و (تحتها) صلة (من).

وحجتهم ما روي عن أبي بن كعب قال: الذي خاطبها هو الذي حملته في جوفها.

قرأ الباقون: مِنْ تَحْتِها بكسر الميم والتاء. أي: فناداها جبريل من بين يديها.

وحجتهم ما روي عن ابن عباس: مِنْ تَحْتِها قال: جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها.

وقال آخرون، منهم الحسن البصري: (من تحتها: عيسى)، فكأنه جعل الفاعل مستترا في (ناداها).


(١) حجة القراءات لأبي زرعة ٣٦٦.
(٢) المصدر نفسه ٣٦٦.

<<  <   >  >>