للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الرابع في العمل والجزاء]

[المسألة الأولى:]

قوله تعالى: وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النّساء: ٤/ ٧٧]، قرأ بعضهم (يظلمون) بالياء.

وحجتهم قوله: وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى فأخبر عنهم، ولم يقل: (خير لكم)، وأن الكلام أيضا جرى قبل ذلك بلفظ الخبر عنهم، فقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ.

وقرأ الباقون: وَلا تُظْلَمُونَ بالتاء، أي أنتم وهم. وحجّتهم قوله: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ (١).

وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: «الضمير في يظلمون عائد على المذكورين ممن زكى نفسه، وممن يزكيه الله عزّ وجلّ» (٢).

[وثمرة الخلاف:]

أن عمل أهل النفاق لا يحبط بمجرد النّفاق، بل قد قال الله عزّ وجلّ: (ولا يظلمون فتيلا) والآية وردت في أهل النفاق، فكانت دليلا على أنهم مجزيون بإحسانهم، لا يظلمون منه شيئا.

ولكن هذا الفهم من قراءة الثلاثة ليس محلّ اتّفاق أيضا، فقد نقل الآلوسي أن ضمير الغيبة هنا، عائد إلى ظاهر (من) في قوله: (والآخرة خير لمن اتّقى ولا يظلمون فتيلا)، وهو أقرب مذكور، والله أعلم (٣).


(١) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة، ط مؤسسة الرسالة ٢٠٨. وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ١٩٢. وعبارة الشاطبي:
وأنث يكن عن دارم تظلمون غي ... ب شهد دنا إدغام بيت في حلا
(٢) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ط دار الكاتب العربي ٥/ ٢٤٨.
(٣) انظر روح المعاني في تفسير القرآن العظيم، والسبع المثاني للآلوسي البغدادي، ط دار التراث العربي ٥/ ٨٦.

<<  <   >  >>