فقد نفى سمعهم من جهة التّسمع، ومن جهة غيره، فهو أبلغ (١)، وهو ما تدلّ له قاعدة:(زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى)، فاشتمل نفي التّسمّع على نفي السماع، وزاد عليه نفي القدرة على السماع ومحاولته.
[وثمرة الخلاف:]
أن اعتقاد المؤمن بوجود الجن؛ لا يجوز أن يحمله على اعتقاد أن الجنّ تعلم من الغيب شيئا، فقد أخبر الله عزّ وجلّ بصريح النّص أنّ الجن لا يسمعون من خبر الملأ الأعلى شيئا، وهو ما دلّت له قراءة الجمهور. وجاءت قراءة حمزة، والكسائي، وحفص بنفي الاستماع فضلا عن السمع لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى [الصّافات: ٣٧/ ٨]، ومقتضى القراءتين وجوب اعتقاد المسلم بنفي معرفة الغيب عن الجن كما الإنس، إلا من ارتضى من رسول، عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ [الجن: ٧٢/ ٢٦ - ٢٧].
وهذا المعنى هو المنصوص عليه في سورة سبأ: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ [سبأ: ٣٤/ ١٤].
ومجمل اعتقاد أهل السّنة والجماعة في أمر الجنّ أنهم خلق من خلق الله كالملائكة، لا نعرف من حقيقتهم إلا ما جاءنا عن طريق الخبر الصادق، أي عن طريق كتاب الله وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد جاءت النصوص ببيان بعض أوصافهم، ومنها:
أولا: أنهم صنف غير صنف الملائكة، مخلوقون من مارج من نار. قال تعالى: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ* وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ [الرّحمن: ٥٥/ ١٤ - ١٥].
ثانيا: أنهم مخلوقون قبل الإنس، ودليل ذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ [الحجر: ١٥/ ٢٦ - ٢٧].
ثالثا: أنهم لهم ذريّة، قال الله تعالى: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الكهف: ١٨/ ٥٠].